التفاسير

< >
عرض

لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ
٢٣
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ لا جرم }[هر آيينه راست است] { ان الله } { آنكه خداى تعالى] { يعلم ما يسرون } من انكار قلوبهم { وما يعلنون } من استكبارهم. لا جرم للتحقيق والتأكيد بمنزلة حقا. قال ابو البقاء فى لا جرم اربعة اقوال. احدها ان لا رد لكلام ماض اى ليس الامر كما زعموا وجرم فعل بمعنى كسب وفاعله مضمر فيه وان ما بعده فى موضع النصب على المفعول به. والقول الثانى ان لا جرم كلمتان ركبتا وصار معناهما حقا وما بعدها فى موضع رفع بانه فاعل لحق. والثالث ان المعنى لا محالة فيكون ما بعدها فى موضع رفع ايضا وقيل فى موضع نصب او جر والرابع ان التقدير لا منع { انه } اى الله تعالى { لا يحب المستكبرين } عن التوحيد اى جنس المستكبرين سواء كانوا مشركين او مؤمنين. والاستكبار رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق والفرق بين المتكبر والمستكبر ان التكبر عام لاظهار الكبر الحق كما فى اوصاف الحق تعالى فانه جاء فى اسمائه الحسنى الجبال المتكبر وفى قوله عليه السلام "التكبر على المتكبر صدقة" ولاظهار الكبر الباطل كما فى قوله تعالى { ساصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الارض بغير الحق } والاستكبار اظهار الكبر باطلا كما فى قوله تعالى فى حق ابليس { استكبر } ومنه ما فى هذا المقام. وفى العوارف الكبر ظن الانسان انه كبر من غيره والتكبر اظهاره ذلك وفى الحديث "لا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من فى قلبه مثقال ذرة من ايمان"
قال الخطابى فيه تأويلان احدهما ان المراد كبر الكفر ألا ترى انه قابله فى نقيضه بالايمان والآخر انه تعالى اذا اراد ان يدخله الجنة نزع ما فى قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر. قال فى فتح القريب هذان التأويلان فيهما بعد فان الحديث ورد فى سياق النهى عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس واحقارهم ودفع الحق وقيل لا يدخلها دون مجازاة ان جازاه وقيل لا يدخلها مع المتقين اول وهله. وعن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال "قال الله تعالى يا بنى آدم خلقتكم من التراب ومصيركم الى التراب فلا تتكبروا على عبادى فى حسب ولا مال فتكونوا علىّ اهون من الذر وانما تجزون يوم القيامة باعمالكم لا باحسابكم وان المتكبرين فى الدنيا اجعلهم يوم القيامة مثل الذر يطأهم الناس كما كانت البهائم تطأه فى الدنيا" - وحكى - انه افتخر رجلان عند موسى عليه السلام بالنسب والحسب فقال احدهما انا فلان ابن فلان حتى عدّ تسعة فاوحى الله تعالى اليه قل له هم فى النار وانت عاشرهم وانشد بعضهم

ولا تمش فوق الارض الا تواضعا فكم تحتها قوم همو منك ارفع
فان كنت فى عز وحرز ورفعة فكم مات من قوم همو منك امنع

فعليك بالتواضع وعدم الفخر على احد فان التواضع باب من ابواب الجنة والفخر باب من ابواب النار واللازم فتح ابواب الجنان وسد ابواب النيران وتحصيل الفقر المعنى الذى ليس الفخر فى الحقيقة الا به فانه لا يليق المرؤ بدولة المعنى ورياسة الحال وسلطنة المقام الا بتحلية ذاته بحلية التواضع وزينة الفناء: قال الحافظ

تاج شاهى طلبى كوهر ذاتى بنماى ورخوداز كوهر جمشيد وفريدون باشى

اللهم اجعلنا من اهل التواضع لا من ارباب التملق واجعلنا من اصحاب التحقق بعد التخلق.