التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
١٠٢
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ واتبعوا ما تتلوا الشياطين } اى نبذ اليهود كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا كتب السحرة التى تقرأها وتعمل بها الشياطين وهم المتمردون من الجن وتتلو حكاية حال ماضية والمراد بالاتباع التوغل والتمحض فيه والاقبال عليه بالكلية { على ملك سليمان } اى على عهد مكله وفى زمانه فحذف المضاف وعلى بمعنى فى.
قال السدى كانت الشياطين تصعد الى السماء فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون فى الارض من موت وغيره ويأتون الكهنة ويخلطون بما سمعوا فى كل كلمة سبعين كذبة ويخبرونهم بها فاكتتب الناس ذلك وفشا فى بنى اسرائيل ان الجن تعلم الغيب وبعث سليمان فى الناس وجمع تلك الكتب وجعلها فى صندوق ودفنه تحت كرسيه وقال لا اسمع احدا يقول ان الشيطان يعلم الغيب الا ضربت عنقه فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون امر سليمان ودفنه الكتب وخلف من بعدهم خلف تمثل الشيطان على صورة انسان فاتى نفرا من بنى اسرائيل فقال هل ادلكم على كنز لا تأكلونه ابدا قالوا نعم قال فاحفروا تحت الكرسى وذهب معهم فاراهم المكان وقام ناحية فقالوا ادن قال لا ولكنى ههنا فان لم تجدوه فاقتلونى وذلك انه لم يكن احد من الشياطين يدنو من الكرسى الا احترق فحفروا واخرجوا تلك الكتب قال الشيطان ان سليمان كان يضبط الجن والانس والشياطين والطير بهذه ثم طار الشيطان وفشا فى الناس ان سليمان كان ساحرا واخذ بنوا اسرائيل تلك الكتب فلذلك اكثر ما يوجد السحر فى اليهود فلما جاء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم برأ الله سليمان عليه السلام من ذلك وانزل فى عذر سليمان واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان { وما كفر سليمان } بالسحر وعلمه يعنى لم يكن ساحرا لان الساحر كافر والتعرض لكونه كفرا للمبالغة فى اظهار نزاهته عليه السلام وكذبه باهتيه بذلك { ولكن الشياطين كفروا } باستعمال السحر وتعليمه وتدوينه { يعلمون الناس السحر } اى كفروا والحال انهم يعلمونه اغواء واضلالا روى ان السحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة افهامهم { وما } اى ويعلمون الناس الذى { انزل على الملكين } اى ما الهما وعلما وهو علم السحر انزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا ومن تجنبه او تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه كان مؤمنا كما قيل عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه وهذا كما اذا اتى عرافا فسأله عن شىء ليمتحن حاله ويختبر باطن امره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز.
قال الامام فخر الدين كان الحكمة فى انزالهما ان السحرة كانوا يسترقون السمع من الشياطين ويلقون ما سمعوا بين الخلق وكان بسبب ذلك يشتبه الوحى النازل على الانبياء فانزلهما الله الى الارض ليعلما الناس كيفية السحر ليظهر بذلك الفرق بين كلام الله وكلام السحرة { ببابل } الباء بمعنى فى وهى متعلقة بانزل او بمحذوف وقع حالا من الملكين وهى بابل العراق او بابل ارض الكوفة ومنع الصرف للعجمة والعلمية واحسن ما قيل فى تسميتها ببابل ان نوحا عليه السلام لما هبط الى اسفل الجودى بنى قرية وسماها ثمانين فاصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة احديها اللسان العربى وكان لا يفهم بعضهم من بعض كذا فى تفسير القرطبى { هاروت وماروت } كف بيان للملكين علمان لهما ومنع صرفها للعجمة والعلمية وما روى فى قصتهما من انهما شربا الخمر وسفكا الدم وزنيا وقتلا وسجدا للصنم فمما لا تعويل عليه لان مداره رواية اليهود مع ما فيه من المخالفة لادلة العقل والنقل ولعله من مقولة الامثال والرموز التى قصد بها ارشاد اللبيب الاريب وبالترغيب وذلك لان المراد بالملكين العقل النظرى والعقل العملى والمرأة المسماة بالزهرة هي النفس الناطقة الطاهرة فى اصل نشأتها وتعرضهما لها تعليمهما لها ما تسعد به فى النشأة الآخرة وحملها اياهما على المعاصى تحريضها اياهما بحكم الطبيعة المزاجية الى السفليات المدنسة لجوهرهما وصعودها الى السماء بما تعلمت منهما هو عروجها الى الملأ الاعلى ومخالطتها مع القدسيين بسبب انتصافها ونصحها كذا ذكره وجوه القوم من المفسرين.
يقول الفقير جامع هذه المجالس الشريفة قد تصفحت كتب ارباب الخبر والبيان واصحاب الشهود والعيان فوجدت عامتها مشحونة بذكر ما جرى من قصتهما وكيف يجوز الاتفاق من الجم الغفير على ما مداره رواية اليهود خصوصا فى مثل هذا الامر الهائل فاقول وصف الملائكة بانهم لا يعصون ولا يستكبرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ويفعلون ما يؤمرون دليل تصور العصيان منهم ولولا ذلك لما مدحوا به اذ لا يمدح احد على الممتنع لكن طاعتهم طبع وعصيانهم تكلف على عكس حال البشر كما فى التيسير فهذا يقتضى جواز الوقوع مع ان فيما روى فى سبب نزولهما ما يزيل الاشكال قطعا وهو انهم لما عيروا بنى آدم بقلة الاعمال وكثرة الذنوب فى زمن ادريس عليه السلام قال الله تعالى لو انزلتكم الى الارض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لفعلتم مثل ما فعلوا فقالوا سبحانك ربنا ما كان ينبغى لنا ان نعصيك قال الله تعالى فاختاروا ملكين من خياركم اهبطهما الى الارض فاختاروا هاروت وماروت وكانا من اصلح الملائكة واعبدهم فاهبطا بالتركيب البشرى ففعلا ما فعلا وهذا ليس ببعيد اذ ليس مجرد هبوط الملك مما يقتضى العصيان وذلك ظاهر والا لظهر من جبريل وغيره ألا ترى ان ابليس له الشهوة والذرية مع انه كان من الملائكة على احد القولين لانها مما حدثت بعد ان محى من ديوانهم فيجوز ان تحدث الشهوة فى هاروت وماروت بعد ان اهبطا الارض لاستلزام التركيب البشرى ذلك.
وقد قال فى آكام المرجان ان الله تعالى باين بين الملائكة والجن والانس في الصورة والاشكال فان قلب الله الملك الى صورة الانسان ظاهرا وباطنا خرج عن كونه ملكا وكذلك لو قلب الشيطان الى بنية الانسان خرج بذلك عن كونه شيطانا ـ روى ـ انه لما استشفع لهما ادريس عليه السلام خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا لكونه ايسر من عذاب الآخرة فهما فى بئر بابل معلقان فيه بشعورهما الى يوم القيامة.
قال مجاهد ملئ الجب نارا فجعلا فيه وقيل معلقان بارجلهما ليس بين ألسنتهما وبين الماء الا اربع اصابع فهما يعذبان بالعطش.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره رائحة الشمع الذى يعمل من الشحم كريهة تتألم منها الملائكة حتى يقال ان هاروت وماروت يعذبان برائحته واما الشمع العسلى فرائحته طيبة كذا فى واقعات الهدائى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
"اتقوا الدنيا فوالذي نفسى بيده انها لاسحر من هاروت وماروت" .
قال العلماء انما كانت الدنيا اسحر منهما لانها تدعوك الى التحارص عليها والتنافس فيها والجمع لها والمنع حتى تفرق بينك وبين طاعة الله وتفرق بينك وبين رؤية الحق ورعايته وسحر الدنيا محبتها وتلذذك بشهواتها وتمنيك بامانيها الكاذبة حتى تأخذ بقلبك ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حبك الشئ يعمى ويصم" .
اراد النبى عليه الصلاة والسلام ان من الحب ما يعمى عن طريق الحق والرشد ويصمك عن استماع الحق وان الرجل اذا غلب الحب على قلبه ولم يكن له رادع من عقل او دين اصمه حبه عن العذل واعماه عن الرشد او يعمى العين عن النظر الى مساويه ويصم الاذن عن استماع العذل فيه او يعمى ويصم عن الآخرة وفائدته النهى عن حب ما لا ينبغى الاغراق فى حبه: قال خسرو الدهلوى

بهراين مردار جندت كاه زارى كاه زور
جون غليواجى كه شش مه مادة وشش مه نراست

ثم فى هذه القصة اشارة الى انه لا يجوز الاعتماد الا على فضل الله ورحمته فان العصمة من آثار حفظ الله تعالى كمال: قال فى المثنوى

همجو هاروت وجو ماروت شهير ازبطر خوردند زهر آلوده تير
اعتمادى بودشان برقدس خويش جيست بر شير اعتماد كاوميش
كرجه او باشاخ صد جاره كند شاخ شاخش شير نرباره كند
كرشود بر شاخ همجون خاربشت شير خواهد كاورا ناجار كشت

{ وما يعلمان من أحد } من مزيدة فى المفعول به لافادة تأكيد الاستغراق الذى يفيده احد والمعنى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس ما انزل على الملكين ويحملونهم على العمل به أغواء واضلالا والحال ان الملكين ما يعلمان ما انزل عليهما من السحر احدا من طالبيه { حتى } ينصحاه اولا وينهياه عن العمل به والكفر بسببه و{ يقولا انما نحن فتنة } وابتلاء من الله تعالى فمن عمل بما تعلم منا واعتقد حقيته كفر ومن توقى عن العمل به او اتخذه ذريعة للاتقاء عن الاغترار بمثله بقى على الايمان والفتنة الاختبار والامتحان يقال فتنت الذهب بالنار اذا جربته بها لتعلم انه خالص او مشوب وهى من الافعال التى تكون من الله ومن العبد كالبلية والمعصية والقتل والعذاب وغير ذلك من الافعال الكريهة وقد تكون الفتنة فى الدين مثل الارتداد والمعاصى واكراه الغير على المعاصى وافردت الفتنة مع تعدد الملكين لكونها مصدرا وحملها عليهما مواطأة للمبالغة كأنهما نفس الفتنة والقصر لبيان انه ليس لهما فيما يتعاطيانه شأن سواها لينصرف الناس عن تعلمه { فلا تكفر } باعتقاد حقيته بمعنى انه ليس بباطل شرعا وجواز العمل به ويقولان ذلك سبع مرات فان ابى الا التعليم علماه { فيتعلمون } عطف على الجملة المنفية فانها فى قوة المثبتة كأنه قيل يعلمانهم بعد قولهما انما نحن الخ والضمير لاحد حملا على المعنى اى فالناس يتعلمون { منهما } اى من الملكين { ما يفرقون به } اى بسببه واستعماله { بين المرء وزوجه } بان يحدث الله تعالى بينهما التباغض والفرك والنشوز عند ما فعلوا من السحر على حسب جرى العادة الآلهية من خلق المسببات عقيب حصول الاسباب العادية ابتلاء لا ان السحر هو المؤثر فى ذلك.
قال السدى كانا يقولان لمن جاءهما انما نحن فتنة فلا تكفر فان ابى ان يرجع قالا له ائت هذا الرماد فبل فيه فاذا بال فيه خرج نور يسطع الى السماء وهو الايمان والمعرفة وينزل شىء اسود شبه الدخان فيدخل فى اذنيه ومسامعه وهو الكفر وغضب الله فاذا اخبرهما بما رآه من ذلك علماه ما يفرق به بين المرء وزوجه ويقدر الساحر على اكثر مما اخبر الله عنه من التفريق لان ذلك خرج على الاغلب قيل يؤخذ الرجل على المرأة بالسحر حتى لا يقدر على الجماع.
قال فى نصاب الاحتساب ان الرجل اذا لم يقدر على مجامعة اهله واطاق ما سواها فان المبتلى بذلك يأخذ حزمة قصبات ويطلب فأسا ذا فقارين ويضعه فى وسط تلك الحزمة ثم يؤجج نارا فى تلك الحزمة حتى اذا احمى الفأس استخرجه من النار وبال على حده يبرأ باذن الله تعالى { وما هم } اى ليس الساحرون { بضارين به } اى بما تعلموه واستعملوه من السحر { من أحد } اى احدا { إلا بإذن الله } الاستثناء مفرغ والباء متعلقة بمحذوف وقع حالا من ضمير ضارين او من مفعوله وان كان نكرة لاعتمادها على النفى او الضمير المجرور فى به اى ما يضرون به احدا الا مقرونا بعلم الله وارادته وقضائه لا بامره لانه لا يأمر بالكفر والاضرار والفحشاء ويقضى على الخلق بها فالساحر يسحر والله يكوّن فقد يحدث عند استعمالهم السحر فعلا من افعاله ابتلاء وقد لا يحدثه وكل ذلك بارادته ولا ينكر ان السحر له تأثير فى القلوب بالحب والبغض وبالقاء الشرور حتى يحول بين المرء وقلبه وذلك بادخال الآلام وعظيم الاسقام وكل ذلك مدرك بالحس والمشاهدة وانكاره معاندة وان اردت التفصيل وحقيقة الحال فاستمع لما نتلو عليك من المقال وهو ان السحر اظهار امر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة اعمال مخصوصة يجرى فيه التعلم والتعليم وبهذين الاعتبارين يفارق المعجزة والكرامة.
واختلف العلماء فى حقيقة السحر بمعنى ثبوته فى الخارج فذهب الجمهور الى ثبوته فيه.
وقالت المعتزلة لا ثبوت له ولا وجود له فى الخارج بل هو تمويه وتخييل ومجرد اراءة مالا حقيقة له يرى الحبال حيات بمنزلة الشعوذة التى سببها خفة حركات اليد او اخفاء وجه الحيلة وتمسكوا بقوله تعالى
{ { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } [طه: 66].
ولنا وجهان الاول يدل على الجواز والثانى يدل على الوقوع اما الاول فهو امكان الامر فى نفسه وشمول قدرة الله فانه الخالق وانما الساحر فاعل وكاسب واما الثانى فهو قوله تعالى { ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } وفيه اشعار بانه ثابت حقيقة ليس مجرد اراءة وتمويه وبان المؤثر والخالق هو الله تعالى وحده واما الشعوذة وما يجرى مجراها من اظهار الامور العجيبة بواسطة ترتيب آلات الهندسة وخفة اليد والاستعانة بخواص الادوية والاحجار فاطلاق السحر عليها مجاز او لما فيها من الدقة لانه فى الاصل عبارة عن كل ما لطف مأخذه وخفى سببه ولذا يقال سحر حلال واكثر من يتعاطى السحر من الانس النساء وخاصة فى حال حيضهم والارواح الخبيثة ترى غالبا للطبائع المغلوبة والنفوس الرذيلة وان لم يكن لهم رياضة كالنساء والصبيان والمخنثين والانسان اذا فسد نفسه او مزاجه يشتهى ما يضره ويتلذذ به بل يعشق ذلك عشقا يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله والشيطان خبيث فاذا تقرب صاحب العزائم والاقسام وكتب الروحانيات السحرية وامثال ذلك اليهم بما يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل لهم فيقضون بعض اغراضهم كمن يعطى رجلا مالا ليقتل من يريد قتله او يعينه على فاحشة او ينال منه فاحشة ولذلك يكتب السحرة والمعزمون فى كثير من الامور كلام الله تعالى بالنجاسة والدماء ويتقربون بالقرابين من حيوان ناطق وغير ناطق والبخور وترك الصلاة والصوم واباحات الدماء ونكاح ذوات المحارم والقاء المصحف فى القاذورات وغير ذلك مما ليس لله فيه رضى فاذا قالوا كفرا او كتبوه او فعلوه اعانتهم الشياطين لاغراضهم او بعضها اما بتغوير ماء واما بان يحمل فى الهواء الى بعض الامكنة واما ان يأتيه بمال من اموال الناس كما يسرقه الشياطين من اموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه ويأتى به واما غير ذلك من قتل اعدائهم او امراضهم او جلب من يهوونه وكثيرا ما يتصور الشيطان بصورة الساحر ويقف بعرفات ليظن من يحسن به الظن انه وقف بعرفات وقد زين لهم الشيطان ان هذا كرامات الصالحين وهو من تلبيس الشيطان فان الله تعالى لا يعبد الا بما هو واجب او مستحب وما فعلوه ليس بواجب ولا مستحب شرعا بل هو منهى حرام ونعوذ بالله من اعتقاد ما هو حرام عبادة ولاهل الضلال الذين لهم عبادة على غير الوجه الشرعى مكاشفات احيانا وتأثيرات يأوون كثيرا الى مواضع الشياطين التى نهى عن الصلاة فيها كالحمام والمزبلة واعطان الابل وغير ذلك مما هو من مواضع النجاسات لان الشياطين تنزل عليهم فيها وتخاطبهم ببعض الامور كما يخاطبون الكفار وكما كانت تدخل فى الاصنام وتكلم عابدى الاصنام.
قال العلماء ان كان فى السحر ما يخل شرطا من شرائط الايمان من قول وفعل كان كفرا والا لم يكن كفرا وعامة ما بايدى الناس من العزائم والطلاسم والرقى التى لا تفهم بالعربية فيها ما هو شرك وتعظيم للجن ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التى لا يفهم بالعربية معناها لانها مظنة الشرك وان لم يعرف الراقى انها شرك.
وفى الصحيح عن النبى عليه السلام انه رخص فى الرقى ما لم تكن شركا وقال
"من استطاع ان ينفع اخاه فليفعل" .
ولذا نقول انه يجوز ان يكتب للمصاب وغيره من المرضى شئ من كتاب الله وذكره بالمداد المباح ويغسل ويسقى او يعلق عليه وفى اسماء الله تعالى وذكره خاصية قمع الشياطين واذلالهم ولأنفاس اهل الحق تأثيرات عجيبة لانهم تركوا الشهوات ولزموا العبادات على الوجه الشرعى وظهر لهم حكم قوله تعالى { { وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض } [الجاثية: 13].
ولذا يطيعهم الجن والشياطين ويستعبدونهم كما استعبدها سليمان عليه السلام بتسخير الله تعالى واقداره ـ حكى ـ حضرة الهدائى قدس سره فى واقعاته عن شيخه حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى انه ارسل ورقة الى سلطان الجن لاجل مصروع فامتثل امره وعظمه وضرب عنق الصارع فخلص المصروع: قال فى المنثوى

هر بيمبر فرد آمد درجهان فرد بود وصد جهانش درنهان
عالم كبرى بقدرت سحره كرد كرد خودرا دركهين نقشى نورد
ابلهانش فرد ديدند وضعيف كى ضعيفست آنكه باشد شد حريف

واعلم ان حكم الساحر القتل ذكرا كان او انثى اذا كان سعيه بالافساد والاهلاك فى الارض واذا كان سعيه بالكفر فيقتل الذكر دون الانثى فتضرب وتحبس لان الساحرة كافرة والكافرة ليست من اهل الحرب فاذا كان الكفر الاصلى يدفع عنها القتل فكيف الكفر العارضى والساحر ان تاب قبل ان يؤخذ تقبل توتبه وان اخذ ثم تاب لا تقبل كما فى الاشباه كل كافر تاب فتوبته مقبولة فى الدنيا والآخرة الا الكافر بسب نبى وبسب الشيخين او احدهما وبالسحر ولو امرأة وبالزندقة اذا اخذ قبل توبته والزنديق هو الذى قال بقدم الدهر واسناد الحوادث اليه مع اعتراف النبوة واظهار الشرع هذا واكثر المنقول الى هنا من كتاب آكام المرجان وهو الذى ينبغى ان يكتب على الاحداق لا على القراطيس والاوراق { ويتعلمون ما يضرهم } لانهم يقصدون به العمل او لان العلم يجر الى العمل غالبا { ولا ينفعهم } صرح بذلك ايذانا بانه ليس من الامور المشوبة بالنفع والضرر بل هو شر بحت وضرر محض لانهم لا يقصدون به التخلص عن الاغترار باكاذيب من يدعى النبوة مثلا من السحرة او تخليص الناس منه حتى يكون فيه نفع فى الجملة وفيه ان الاجتناب عما لا يؤمن غوائله خير كتعلم الفلسفة التى لا يؤمن ان تجر الى الغواية وان قال من قال.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه.
وذكر فى التجنيس ان تعلم النجوم حرام الا ما يحتاج اليه للقبلة وفيء الزوال ومن احاديث المصابيح (من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر) واذا لم يكن فى تعلم مثل هذه العلوم خير فكذا امساك الكتب التى اشتملت عليها من كتب الفلاسفة وغيرها بل لا يجوز النظر اليها كما فى نصاب الاحتساب { ولقد علموا } اى هؤلاء اليهود فى التوراة { لمن اشتراه } اى من اختار السحر واستبدل ما تتلوا الشياطين بكتاب الله واللام الاولى جواب قسم محذوف والثانية لام ابتداء { ما له فى الآخرة من خلاق } اى نصيب { ولبئس ما شروا به أنفسهم } اى باعوها لان الشراء من الاضداد واللام جواب قسم محذوف والمخصوص بالذم محذوف اى والله لبئس ما باعوا به انفسهم السحر او الكفر وعبر عن ايمانهم بانفسهم لان النفس خلقت للعلم والعمل والايمان { لو كانوا يعلمون } جواب لو محذوف اى لما فعلوا ما فعلوا من تعلم السحر وعمله اثبت لهم العلم اولا بقوله ولقد علموا ثم نفى عنهم لانهم لما لم يعملوا بعلمهم فكأنهم لم يعلموا فهذا فى الحقيقة نفى الانتفاع بالعلم لا نفى العلم.