التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
١١
أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ
١٢
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذا قيل لهم } اى قال المسلمون لهؤلاء المنافقين{ لا تفسدوا فى الارض } اسناد قيل الى لا تفسدوا اسناد له الى لفظه كانه قيل واذا قيل لهم هذا القول كقولك الف ضرب من ثلاثة احرف.
والفساد خروج الشئ عن الاعتدال والصلاح ضده وكلاهما يعمان كل ضار ونافع والفساد فى الارض تهيج الحروب والفتن المستتبعة لزوال الاستقامة عن احوال العباد واختلال امر المعاش والمعاد والمراد بما نهوا عنه ما يؤدى الى ذلك من افشاء اسرار المؤمنين الى الكفار واغرائهم عليه وغير ذلك من فنون الشرور فلما كان ذلك من صنيعهم مؤديا إلى الفساد قيل لا تفسدوا كما يقول الرجل لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك فى النار اذا اقدم على ما هذه عاقبته وكانت الارض قبل البعثة يعلن فيها بالمعاصى فلما بعث الله النبى صلى الله عليه وسلم ارتفع الفساد وصلحت الارض فاذا اعلنوا بالمعاصى فقد افسدوا فى الارض بعد اصلاحها كما فى تفسير ابى الليث { قالوا انما نحن مصلحون } جواب لاذا ورد للناصح على سبيل المبالغة والمعنى انه لا يصلح مخاطبتنا بذلك فان شاننا ليس الا الاصلاح وان حالنا متمحضة عن شوائب الفساد وانما قالوا ذلك الفهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما فى قلوبهم من المرض كما قال الله تعالى
{ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } [فاطر: 8].
فانكروا كون ذلك فسادا وادعوا كونه اصلاحا محضا وهو من قصر الموصوف على الصفة مثل انما زيد منطلق.
قال ابن التمجيد ان المسلمين لما قالوا لهم لا تفسدوا توهموا ان المسلمين ارادوا بذلك انهم يخلطون الافساد بالاصلاح فاجابوا بانهم مقصورون على الاصلاح لا يتجاوزون منه الى صفة الافساد فيلزم منه عدم الخلط فهو من باب قصر الافراد حيث توهموا ان المؤمنين اعتقدوا الشركة فاجابهم الله تعالى بعد ذلك بما يدل على القصر القلبى وهو قوله تعالى.{ ألا } ايها المؤمنون اعلموا { انهم هم المفسدون } فانهم لما اثبتوا لانفسهم احدى الصفتين ونفوا الاخرى واعتقدوا ذلك قلب الله اعتقادهم هذا بان اثبت لهم ما نفوه ونفى عنهم ما اثبتوا والمعنى هم مقصورون على افساد انفسهم بالكفر والناس بالتعويق عن الايمان لا يتخطون منه الى صفة الاصلاح من باب قصر الشئ على الحكم فهم لا يعدون صفة الفساد والافساد ولا يلزم منه ان لا يكون غيرهم مفسدين ثم استدرك بقوله تعالى { ولكن لا يشعرون } انهم مفسدون للايذان بان كونهم مفسدين من الامور المحسوسة لكن لا حس لهم حتى يدركوه.
قال الشيخ فى تفسيره ذكر الشعور بازاء الفساد اوفق لانه كالمحسوس عادة ثم فيه بيان شرف المؤمنين حيث تولى الله جواب المنافقين عما قالوه للمؤمنين كما كان فى حق المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم فان الوليد بن المغيرة قال له انه مجنون فنفاه الله عنه بقوله
{ ما أنت بنعمة ربك بمجنون } [ القلم: 2].
ثم قال فى ذم ذلك اللعين
{ ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير متعد أثيم عتل بعد ذلك زنيم } [القلم: 10-13].
اى حلاف حقير عياب يمشى بين الناس بالنميمة بخيل للمال ظالم فاجر غليظ القلب جاف ومع ذلك الوصف المذكور هو ولد الزنى وذلك لانه صلى الله عليه وسلم اتخذ ربه وكيلا على اموره بمقتضى قوله
{ فاتخذه وكيلا } [المزمل: 9].
فهو تعالى يكفى مؤونته كما قال اهل الحقائق ان خوارق العادات قلما تصدر من الاقطاب والخلفاء بل من وزرائهم وخلفائهم لقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلى فلا يتصرفون لانفسهم فى شئ ومن جملة كمالات الاقطاب ومنن الله عليهم ان لا يبتليهم بصحبة الجهلاء بل يرزقهم صحبة العلماء الادباء الامناء يحملون عنهم اثقالهم وينفذون احكامهم واقوالهم وذلك كما كان الكامل آصف بن برخيا وزير سليمان عليه الصلاة والسلام الذى كان قطب وقته ومتصرفا وخليفة على العالم فظهر منه ما ظهر من اتيان عرش بلقيس كما حكاه الله تعالى فى القرآن. وفى التأويلات النجمية. { واذا قيل لهم لا تفسدوا فى الارض } الاشارة فى تحقيق الآيتين ان الانسان وان خلق متسعدا لخلافة الارض ولكنه فى بداية الخلقة مغلوب الهوى والصفات النفسانية فيكون مائلا الى الفساد كما اخبرت عنه الملائكة وقالوا
{ أتجعل فيها من يفسد فيها } [البقرة: 30] الآية.
فبأوامر الشريعة ونواهيها يتخلص جوهر الخلافة عن معدن نفس الانسان فاهل السعادة وهم المؤمنون ينقادون للداعى الى الحق ويقبلون الاوامر والنواهى واهل الشقاوة وهم الكافرون والمنافقون يمرقون من الدين ويتبعون الهوى واذا قيل لهم لا تفسدوا فى الارض اى لاتسعوا فى افساد حسن استعدادكم وصلاحيتكم للخلافة فى الارض باتباعكم الهوى وحرصكم على الدنيا { قالوا إنما نحن مصلحون } [البقرة: 11].
لا يقبلون النصيحة غافلين عن حقيقتها: كما قال السعدى

كسى را كه بند ار در سربود مندار هركزكه حق بشنود
زعلمش ملال آيد ازوعظ ننك شقايق بباران نرويد زسنك

فكذبهم الله تعالى تعالى بقوله { ألا انهم هم المفسدون } يفسدون صلاح آخرتهم باصلاح دنياهم { ولكن لا يشعرون } اى لا شعور لهم بافساد حالهم وسوء اعمالهم وعظم وبالهم من خسار حسن صنيعهم وادعائهم بالصلاح على انفسهم كما قال الله تعالى { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا } [ الكهف: 103] الآية: قال المولى جلا الدين قدس سره

اى كه خودرا شر يزدان خواندهء سالها شد باسكى درماندهء
جون كند آن سك براى توشكار جون شكار سك شدستى آشكار