التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
١٢٣
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ واتقوا } ان لم تؤمنو { يوما } اى عذاب يوم وهو يوم القيامة { لا تجزى } تقول جزى عنى هذا الامر يجزى كما تقول قضى عنى يقضى وزنا ومعنى اى لا تقضى فى ذلك اليوم { نفس } من النفوس { عن نفس } اخرى { شيئا } من الحقوق التى لزمتها اى لا تقضى نفس ليس عليها شئ من الحقوق التى وجبت على نفس اخرى اى لا تؤخذ نفس بذنب اخرى ولا تدفع عنها شيأ واما اذا كان عليها شئ فانها تجزى وتقضى بغير اختيارها بمالها من حسناتها ما عليها من الحقوق كما جاء فى حديث ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له مظلمة لاخيه من عرض او غيره فليستحلل منه اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات اخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه" .
{ ولا يقبل منها } اى من النفس الاولى { عدل } اى فداء وهو بفتح العين الفدية وهى ما يماثل الشىء قيمة وان لم يكن من جنسه والعدل بالكسر ما يساوى الشىء فى الوزن والجرم من جنسه والمعنى لا يؤخذ منها فدية تنجو بها من النار ولا تجد ذلك لتفتدى به وسميت الفدية عدلا لانها تعادل ما يقصد انقاذه وتخليصه يقال فداه اذا اعطى فداءه فانقذ { ولا تنفعها شفاعة } ان شفعت للنفس الثانية { ولا هم ينصرون } اى يمنعون من عذاب الله تعالى.
واعلم ان المستوجب للعذاب يخلص منه فى الدنيا باحد اربعة امور اما بان ينصره ناصر قوى فيخلصه ويدفع العذاب عنه قهرا او بان يفديه اى بان يعطى احد اشياء غير ما عليه من الحق وذلك الشىء هو الفدية وهو الفداء فانقذه به فالله تعالى بين هول يوم القيامة بان نفى ان يدفع العذاب احد عن احد بشىء من هذه الوجوه المحتملة فى الدنيا قال السعدى قدس سره

قيامت كه نيكان باعلى رسند ز قعر ثرى بر ثريا رسند
ترا خود بماند سر ازننك بيش كه كردت بر آيد عملهاىخويش
برادر ز كار بدان شرم دار كه در روى نيكان شوى شرمسار
دران روز كزفعل برسند وقول اولو العزم را تن بلرزد زهول
بجايى كه دهشت خورد انبيا تو عذر كنه را جه دارى بيا

ثم اعلم ان الله تعالى بدأ قصة بنى اسرائيل بهاتين الآيتين ففى الآية الاولى تذكير النعمة وفى الاخرى تخويف العقوبة وبهما ختم القصة مبالغة فى النصح وايذانا بان المقصود من القصة ذلك ودل قوله تعالى { { ولئن اتبعت أهوائهم } [البقرة: 120].
على قبح الصحبة باهل الهوى والبدع والاتباع لهم فى اقوالهم وافعالهم وفى الحديث
"من اتبع قوما على اعمالهم حشر فى زمرتهم" .
اى فى جماعتهم "وحوسب يوم القيامة بحسابهم وان لم يعمل باعمالهم" .
وربما يكون للانسان شركة اى فى اثم القتل والزنى وغيرهما اذا رضى به من عامل واشتد حرصه على فعله وفى الحديث "من حضر معصية فكرهها فكأنما غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن حضرها" .
وحضور مجلس المعصية اذا كان لحاجة او لاتفاق جريانها بين يديه ولا يمكن دفعها فغير ممنوع واما الحضور قصدا فممنوع.
ومن سنة السلف الصالحين الانقطاع عن مجالس اهل اللغو واللهو والمجانبة عن اتباع اهل الهوى والبدع.
وروى ان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل ربك بك فقال عاتبنى وأوقفنى ثلاثين سنة بسبب انى نظرت باللطف يوما الى مبتدع فقال انك لم تعاد عدوى فى الدين فكيف حال القاعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين والمتمسك بسنة سيد المرسلين عند فساد الخلق واختلاف المذاهب والملل كان له اجر مائة شهيد وفى الحديث
"سيأتى على الناس زمان تخلق فيه سنتى وتتجدد فيه البدعة فمن اتبع سنتى يومئذ صار غريبا وبقى وحيدا ومن اتبع بدع الناس وجد خمسين صاحبا او اكثر" .
وللصحبة تأثير عظيم كما قيل

عدوى البليد الى الجليد سريعة والجمر يوضع فى الرماد فيخمد

قال الحافظ

نخست موعظه بير مجلس اين حرفست كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد