التفاسير

< >
عرض

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ
١٩٨
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ليس عليكم جناح } اى اثم من الجنوح وهو الميل عن القصد { أن تبتغوا } اى فى ان تقصدوا وتطلبوا { فضلا من ربكم } اى عطاء ورزقا يريد الربح بالتجارة فى ايام الحج فان الآية نزلت ردا على من يقول لا حج للتاجر والجمال لكن الحق ان التجارة وان كانت مباحة فى الحج الا ان الاولى تركها فيه لقوله تعالى { { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } [البينة: 5].
والاخلاص ان لا يكون له حامل على الفعل سوى كونه طاعة وعبادة { فاذا افضتم من عرفات } الهمزة فى افضتم للتعدية والمفعول محذوف اى دفعتم انفسكم منها بكثرة بعد غروب الشمس ورجعتم بعد الوقوف بها.
وفى التيسير وحقيقة الافاضة هنا هو اجتماع الكثير فى الذهاب والمسير. وعرفات علم للموقف وليس بجمع حقيقة بل هو من قبيل ما زيدت حروفه لزيادة معناه فانه للمبالغة فى الانباء عن المعرفة روى انه نعته جبريل لابراهيم عليهما السلام فلما ابصره عرفه فسمى ذلك الموضع عرفات او لان جبريل عليه الصلاة والسلام كان يدور به فى المشاعر اى مواضع المناسك ويقول عرفت فيقول عرفت فلما رآه قال عرفت او لان آدم عليه الصلاة والسلام لما اهبط الى الارض وقع بالهند وحوآء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة وتعارفا او لغير ذلك كما ذكر فى التفاسير.
وفيه دليل على وجوب الوقوف بعرفات لان الاضافة مأمور بها وهى موقوفة على الحضور فيها والوقوف بها وما لم يتم الواجب الا به فهو واجب فيكون الوقوف واجبا { فاذكروا لله } بالتلبية والتهليل والتسبيح والتحميد والثناء والدعوات { عند المشعر الحرام } قزح وهو الجبل الذى يقف عليه الامام وعلى الميقدة وفى المغرب الميقدة هو موضع بالمشعر الحرام على قزح كان اهل الجاهلية يوقدون عليها النار وتقييد محل الذكر والوقوف بقوله { عند المشعر الحرام } للتنبيه على ان الوقوف فيما يقرب من جبل قزح افضل من الوقوف فى سائر مواضع ارض مزدلفة وذلك لا ينافى صحة الوقوف فى جميع مواضعها كما ان عرفات كلها موضع الوقوف لكن الوقوف بقرب جبل الرحمة افضل واولى والمشعر العلم اى للعبادة. والشعائر العلامات من الشعار وهو العلامة ووصفه بالحرام لحرمته فلا يفعل فيه ما نهى عنه { واذكروه كما هداكم } اى كما علمكم كيف تذكرونه مثل كون الذكر ذكرا كثيرا وعلى وجه التضرع والخيفة والطمع ناشئا عن الرغبة والرهبة ومشاهدة جلال المذكور وجماله كما قال عليه السلام
"الاحسان ان تعبد الله كأنك تراهbr>" . فالمقصود من الكاف مجرد التقييد لا التشبيه اى اذكروه على الوجه الذى هداكم اليه لا تعدلوا عما هديتم اليه كما تقول افعل كما علمتك وليس هذا تكرارا لقوله { فاذكروا الله عند المشعر الحرام } لان الاول لبيان محل الذكر والوقوف وتعليم النسك المناسك لذلك المحل واوجب بالثانى ان يكون ذكرنا اياه كهدايته ايانا اى موازيا لها فى الكم والكيف { وان } هى المخففة واللام هى الفارقة { كنتم من قبله } اى من قبل ما ذكر من هدايته اياكم { لمن الضالين } غير العالمين بالايمان والطاعة قال القاشانى ان الله تعالى هدى اولا الى الذكر باللسان فى مقام النفس. ثم الى الذكر بالقلب وهو ذكر الافعال اى تصور آلاء الله ونعمائه ثم الى ذكر السر وهو معاينة الافعال ومكاشفة علوم تجليات الصفات. ثم الى ذكر الروح وهو مشاهدة انوار تجليات الصفات مع ملاحظة نور الذات. ثم الى ذكر الخفى وهو مشاهدة جمال الذات مع بقاء الاثنينية. ثم الى ذكر الذات وهو الشهود الذاتى بارتفاع البعد وان كنتم من قبل الهدى الى هذه المقامات لمن الضالين عن طريق هذه الاذكار انتهى.
ولما امر بذكر الله تعالى اذا فعلت الافاضة امر بان تكون الافاضة من حيث افاض الناس مرتبا الامر الثانى على الاول بكلمة ثم فقال.