التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٢٠٢
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ أولئك } اشارة الى الفريق الثانى وهم الداعون الحسنتين لانه تعالى ذكر حكم الفريق الاول بقوله وماله { فى الآخرة من خلاق } { لهم نصيب مما كسبوا } من للتبعيض اى لهم نصيب عظيم كائن من جنس ما كسبوا من الاعمال الحسنة وهو الثواب الذى هو المنافع الحسنة او من اجل ما كسبوا لانهم استحقوا ذلك الثواب الحسن بسبب اعمالهم الحسنة ومن اجلها فتكون من ابتدائية لان العلة مبدأ الحكم ثم اومأ الى قدرته محذرا من الموت وحاثا على اعمال الخير بقوله { والله سريع الحساب } والحساب يراد به نفس الجزاء على الاعمال فان الحساب سبب للاخذ والعطاء واطلاق اسم السبب على المسبب جائز شائع اى يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة اعمالهم فى مقدار لمحة لعدم احتياجه الى عقد يد او وعى صدر او نظر وفكر فاحذروا من الاخلال بطاعة من هذا شأن قدرته او يوشك ان يقيم القيامة ويحاسب الناس.
وفى خطبة بعض المتقدمين ولت الدنيا حذاء ولم يبق الا صبابة كصبابة الاناء فليبادر المؤمن الى الطاعات واكتساب الحسنات والذكر فى كل الحالات.
قال الحسن البصرى اذكرونى بما يذكر الصغير اباه فانه اول ما يتكلم يقول يا اب يا اب.
فعلى كل مسلم ان يقول يا رب يا رب وعن النبى عليه السلام
"اغبط اوليائى عندى مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة احسن عبادة ربه واطاعه فى السر وكان غامضا فى الناس لا يشار اليه بالاصابع وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك ثم نقر بيده فقال هكذا عجلت منيته قلت بواكيه قل ثراؤهbr>" . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
والاشارة فاذا قضيتم مناسك وصلتكم وبلغتم مبلغ الرجال البالغين من اهل الكمال فلا تأمنوا مكر الله ولا تهملوا وظائف ذكر الله فاذكروا الله كما تذكرون فى حال طفوليتكم آباءكم للحاجة والافتقار بالعجز والانكسار وفى حال رجوليتكم للحجة والافتخار بالمحبة والاستظهار فاذكروا الله افتقارا وافتخارا او اشد ذكرا واكد فى الافتخار لانه يمكن للطفل الاستغناء عن الله بولى وكذلك البالغ يحتمل ان يفتخر بغير الله ولكن العباد ليس لهم من دون الله من ولى ولا واق فمن الناس من اهل الطلب والسلوك من يقول بتسويل النفس وغرورها بحسبان الوصول والكمال عند النسيان وتغير الاحوال ربنا آتنا فى الدنيا حسنة يعنى تميل نفسه الى الدنيا وتنسى المقصد الاصلى ويظن الطالب الممكور انه قد استغنى عن الاجتهاد فاهمل وظائف الذكر ورياضة النفس ومخاطرة القلب ومراقبة السر فاستولت عليه النفس وغلب عليه الهوى واستهوته الشياطين فى الارض حيران حتى اوقعته فى اودية الهجران والفراق وماله فى الآخرة من خلاق ومنهم اى من اهل الوصول وارباب الفتوة من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة نعمة من النعم الظاهرة كالعافية والصحة والسعة والفراغة والطاعة واستطاعة البدن والوجاهة والارشاد والاخلاق وفى الآخرة حسنة نعمة من النعم الباطنة هى الكشوف والمشاهدات وانواع القربات والمواصلات وقنا عذاب النار اى نار القطيعة وحرقة الفراق اولئك لهم نصيب اى لهؤلاء البالغين الواصلين نصيب وافر مما كسبوا من المقامات والكرامات ومما سألوا من ايتاء الحسنات والله سريع الحساب لكلا الفريقين فيما سألوه اى يعطيهم بحسب نياتهم على قد هممهم وطوياتهم كذا فى التأويلات النجمية.