التفاسير

< >
عرض

وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٤٤
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقاتلوا } الخطاب لهذه الامة وهو معطوف على مقدر تقديره فاطيعوا وقاتلوا { فى سبيل الله } لاعلاء دينه متيقنين ان الفرار من الموت غير مخلص وان القدر واقع فلا تحرموا من احد الحظين اما النصر والثواب واما الموت فى سبيل الله الملك الوهاب { واعلموا ان الله سميع } يسمع مقالة السابقين الى الجهاد من ترغيب الغير فيه ومقالة المتخلفين عنه من تنفير الغير { عليم } بما يضمرونه فى انفسهم يعلم ان خلف المتخلف لأى غرض وان جهاد المجاهد لأى سبب وانه لاجل الدين او الدنيا وهو من وراء الجزاء ثم ان قوله تعالى { { ألم تروا } [لقمان: 20].
رد لتقبيح حال هؤلاء الذين خرجوا وقد جعل الله جزاء خروجهم الموت والخيبة فى رجائهم الخلاص وكل ذلك يدل على كراهية الفرار فثبت بهذه الآية فضيلة القرار وفائدته وفى الحديث
"الفار من الطاعون كالفار من الزحف" وهذا الحديث يدل على ان النهى عن الخروج للتحريم وانه من الكبائر.
قيل ان عبد الملك هرب من الطاعون فركب ليلا واخرج غلاما معه فكان ينام على دابته فقال للغلام حدثنى فقال من انا حتى احدثك فقال على كل حال حدث حديثا سمعته فقال بلغنى ان ثعلبا كان يخدم اسدا ليحميه ويمنعه مما يريده فكان يحميه فرأى الثعلب عقابا فلجأ الى الاسد فاقعده على ظهره فانقض العقاب واختلسه فصاح الثعلب يا ابا الحارث اغثنى واذكر عهدك لى فقال انما اقدر على منعك من اهل الارض فاما اهل السماء فلا سبيل اليهم فقال عبد الملك وعظتنى واحسنت وانصرف ورضى بالقضاء قال السعدى قدس سره

قضا كشتى آنجا كه خواهد برد وكر ناخدا جامه برثن درد
در آبى كه بيدا نباشد كنار غرور شناور نيايد بكار

واعلم ان ما كان من القضاء حتما مقضيا لا ينفعه شىء كما قال عليه السلام "الحذر لا ينفع من القدرbr>" . واما المعلق فتنفعه الصدقة وامثالها كما قال عليه السلام "الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان فى الاعمارbr>" . قال بعض المحققين ان المقدرات على ضربين ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكليات المختصة بالانسان ما اخبر النبى عليه الصلاة والسلام انها محصورة فى اربعة اشياء العمر والرزق والاجل والسعادة او الشقاوة وهى لا تقبل التغير فالدعاء فيها لا يفيد كصلة الرحم الا بطريق الفرض بمعنى ان لصلة الرحم مثلا من الاثر فى الخير ما لو امكن ان يبسط فى رزق الواصل ويؤخر فى اجله بها لكان ذلك ويجوز فرض المحال اذا تعلق بذلك حكمة قال تعالى { { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } [الزخرف: 81].
واما الجزئيات ولوازمها التفصيلية فقد يكون ظهور بعضها وحصوله للانسان متوقفا على اسباب وشروط ربما كان الدعاء او الكسب والسعى والتعمد من جملتها بمعنى انه لم يقدر حصوله بدون ذلك الشرط ـ حكى ـ ان قصارا مر على عيسى عليه السلام مع جماعة من الحواريين فقال لهم عيسى احضروا جنازة هذا الرجل وقت الظهر فلم يمت فنزل جبريل فقال ألم تخبرنى بموت هذا القصار فقال نعم ولكن تصدق بعد ذلك بثلاثة ارغفة فنجا من الموت وقد سبق منا فى الجزء الاول عند قوله تعالى
{ { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } [البقرة: 59].
ما يتعلق بالطاعون والفرار منه فليرجع اليه.
قال الامام القشيرى فى قوله تعالى { وقاتلوا فى سبيل الله } الآية يعنى ان مسكم ألم فتصاعد منكم أنين فاعلموا ان الله سميع بأنينكم عليم باحوالكم والآية توجب عليهم تسهيل ما يقاسونه من الالم قال قائلهم

اذا ما تمنى الناس روحا وراحة تمنيت ان اشكوا اليك وتسمع

انتهى كلامه قدس سره اللهم اجعلنا من الذين يفرون الى جنابك ويميلون.