التفاسير

< >
عرض

قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ
٢٦٣
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ قول معروف } رد جميل وهو ان يرد السائل بطريق جميل حسن تقبله القلوب والطباع ولا تنكره { ومغفرة } اى ستر لما وقع من السائل الالحاف فى المسألة وغيره مما يثقل على المسئول وصفح عنه { خير من صدقة يتبعها اذى } لان من جمع بين نفع الفقير واضراره حرم الثواب فان قالوا أى خير فى الصدقة التى فيها اذى حتى يقال هذا خير منه قلنا يعنى عندكم كذلك وهو كقوله تعالى { { قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة } [الجمعة: 11].
اى عندكم ذلك خير لكن اعلموا ان هذا خير لكم فى الدنيا والآخرة مما تعدونه انتم خيرا { والله غنى } عما عندكم من الصدقة لا يحوج الفقراء الى تحمل مؤونة المن والاذى ويرزقهم من جهة اخرى { حليم } لا يعاجل اصحاب المن والاذى بالعقوبة لا انهم لا يستحقونها بسببهما. وفيه من السخط والوعيد لهم ما لا يخفى.
قال فى مجالس حضرة الهدائى قدس سره وانما كان الرد الجميل خيرا من صدقة المان والمؤذى لان القول الحسن وان كان بالرد يفرح قلب السائل ويروح روحه ونفع الصدقة لجسده وسراية السرور لقلبه بالتبعية من تصور النفع فاذا قارن ما ينفع الجسد بما يؤذى الروح يكدر النفع حينئذ ولا ريب ان ما يروح الروح خير مما ينفع الجسد لان الروحانية اوقع فى النفوس واشرف.
قال الشعبى من لم ير نفسه الى ثواب الصدقة احوج من الفقير الى صدقته فقد ابطل صدقته. وبالغ السلف فى الصدقة والتحرز فيها عن الريا فانه غالب على النفس وهو مهلك ينقلب فى القلب اذا وضع الانسان فى قبره فى صورة حية اى يؤلم ايلام الحية والبخل ينقلب فى صورة عقرب والمقصود فى كل انفاق الخلاص من رذيلة البخل فاذا امتزج به الرياء كان كانه جعل العقرب غذاء الحية فتخلص من العقرب ولكن زاد فى قوة الحية اذ كل صفة من الصفات المهلكة فى القلب انما غذاؤها وقوتها فى اجابتها الى مقتضاها. ثم ان الصدقة لا تنحصر فى المال بل تجرى فى كل معروف فالكلمة الطيبة والشفاعة الحسنة والاعانة فى حاجة واحد وعيادة مريض وتشييع جنازة وتطييب قلب مسلم كل ذلك صدقة

كر خير كنى مراد يابى در هر دوجهان كشاد يابى
احسان كن وبهر توئه خويش زادى بفرست توازين ييش

واعلم ان الدنيا وملكها لا اعتداد لها ـ حكى ـ عن بعض الملوك انه حبست الريح فى بطنه حتى قرب الى الهلاك فقال كل من يزيل عنى هذا البلاء اعطيته ملكى فسمعه شخص من اهل الله فجاء ومسح يده على بطنه فخرجت منه ريح منتنة وتعافى الملك من ساعته فقال يا سيدى اجلس على سرير المملكة انا عزلت نفسى فقال الرجل لا حاجة الى متاع قيمته ضرطة منتنة ولكن انت اتعظ من هذا فالشىء الذى اغتررت به قيمته هذا.
وعن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على اصحابه فقال
"هل منكم من يريد ان يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا. ألا انه من رغب فى الدنيا وطال امله فيها اعمى الله قلبه على قدر ذلك ومن زهد فى الدنيا وقصر امله اعطاه الله تعالى علما بغير تعلم وهدى بغير هداية. ألا انه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك الا بالقتل والتجبر ولا الغنى الا بالفخر والبخل ولا المحبة الا باتباع الهوى. ألا فمن ادرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز لا يريد بذلك الا وجه الله تعالى اعطاه الله تعالى ثواب خمسين صديقاbr>" . وفى المثنوى

كوزه جشم حريصان برنشد تاصدف قانع نشد بردر نشد