التفاسير

< >
عرض

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٢٦٩
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يؤتى الحكمة } اى مواعظ القرآن ومعنى ايتائها تبيينها والتوفيق للعلم والعمل بها اى يبينها ويوفق للعمل بها { من يشاء } من عباده اى يؤتيها ايه بموجب سعة فضلة واحاطة علمه كما آتاكم ما بينه فى ضمن الآى من الحكم البالغة التى عليها يدور فلك منافعكم فاغتنموها وسارعوا الى العمل بها. والموصول مفعول اول ليؤتى قدم عليه الثانى للعناية به { ومن يؤت الحكمة } اى يعط العلم والعمل { فقد اوتى خيرا كثيرا } أى خير كثير فانه قد حيز له خير الدارين { وما يذكر } اى وما يتعظ بما اوتى من الحكمة { إلا أولوا الالباب } اى العقول الخالصة من شوائب الوهم والركون الى متابعة الهوى. فالمراد منهم الحكماء العلام العمال ولا يتناول كل مكلف وان كان ذا عقل لان من لا يغلب عقله على هواه فلا ينتفع به فكأنه لا عقل له قيل من اعطى علم القرآن ينبغى ان لا يتواضع لاهل الدنيا لاجل دنياهم لان ما اعطيه خير كثير والدنيا متاع قليل ولقوله عليه السلام "القرآن غنى لا غنى بعده" .
والاشارة أن الشيطان فقير يعد بالفقر ظاهرا فهو يأمر بالفحشاء حقيقة. والفحشاء اسم جامع لكل سوء لان عدته بالفقر تتضمن معانى الفحشاء وهى البخل والحرص واليأس من الحق والشك فى مواعيد الحق للخلق بالرزق والخلف للمنفق ومضاعفة الحسنات وسوء الظن بالله وترك التوكل عليه وتكذيب قول الحق ونسيان فضله وكرمه وكفران النعمة والاعراض عن الحق والاقبال على الخلق وانقطاع الرجاء من الله تعالى وتعلق القلب بغيره ومتابعة الشهوات وايثار الحظوظ الدنيوية وترك العفة والقناعة والتمسك بحب الدنيا وهو رأس كل خطيئة وبزر كل بلية فمن فتح على نفسه باب وسوسته فسوف يبتلى بهذه الآفات ومن سد هذا الباب فان الله يكرمه بانواع الكرامات ورفعة الدرجات والله واسع عليم يؤتى من اجتنب عن وساوسه الحكمة وهى من مواهبه ترد على قلوب الانبياء والاولياء عند تجلى صفات الجلال والجمال وفناء اوصاف الخلقية بشواهد صفات الخالقية فيكاشف الاسرار بحقائق معان اورثتها تلك الانوار سرا بسر واضمارا باضمار. فحقيقة الحكمة نور من انوار صفات الحق يؤيد الله به عقل من يشاء من عباده فهذه ليست مما تدرك بالعقول والبراهين العقلية والنقلية واما المعقولات فهى مشتركة بين اهل الدين واهل الكفر فالمعقول ما يحكم العقل عليه ببرهان عقلى وهذا ميسر لكل عاقل بالدراية وعالم بالقراءة فمن صفى عقله عن شوب الوهم والخيال فيدرك عقله المعقول بالبرهان دراية عقلية ومن لم يصف العقل عن هذه الآفات فهو يدرك المعقول قراءة بتفهيم استاذ مرشد فاما الحكمة فليست من هذا القبيل وما يذكر الا اولوا الالباب وهم الذين لم يقنعوا بقشور العقول الانسانية بل سعوا فى طلب لبها بمتابعة الانبياء عليهم السلام فاخرجوهم من ظلمات قشور العقول الانسانية الى نور لب المواهب الربانية فتحقق لهم ان من لم يجعل الله له نورا فما له من نور فانتبه ايها المغرور المفتون بدار الغرور فلا يغرنك بالله الغرور قال من قال

نكر تاقضا از كجاسير كرد كه كورى بودتكيه بر غيركرد
فغان ازبديها كه درنفس ماست كه ترسم شود ظن ابليس راست

قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاب الليل والنهار أرأيتم ما انفق منذ خلق السماء والارض فانه لم يغض ما فى يمينهbr>" . قال "وعرشه على الماء وبيده الاخرى القبض يرفع ويخفضbr>" . فالمؤمن يتخلق باخلاق الله ويجود على الفقراء ويدفع ما وسوس اليه الشيطان من خوف الفقر فان الله بيده مفاتيح الارزاق وهو المعطى على الاطلاق.