التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ
٤٠
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا بنى اسرائيل } البنون اسم للذكور والاناث اذا اجتمعوا واسرائيل اسم يعقوب عليه السلام ومعناه عبد الله لان اسرا بلغة العبرانية وهى لغة اليهود بمعنى العبد وايل هو الله اى يا اولاد يعقوب والخطاب لليهود المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم الذين كانوا حوالى المدينة من بنى قريظة والنضير وكانوا من اولاد يعقوب وتخصيص هذه الطائفة بالذكر والتذكير لما انهم اوفر الناس نعمة واكثرهم كفرا بها { اذكروا نعمى } الذكر بضم الذال بالقلب خاصة بمعنى الحفظ الذى يضاد النسيان والذكر بكسر الذال يقع على الذكر باللسان والذكر بالقلب يكون امرا بشكر النعمة باللسان وحفظها بالجنان اى احفظوا بالجنان واشكروا باللسان نعمتى لان النعمة اسم جنس بمعنى الجمع قال تعالى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } [النحل: 18].
{ والتى انعمت } بها { عليكم } وفيه اشعار بانهم قد نسوها بالكلية ولم يخطروها بالبال لا انهم اهملوا شكرها فقط وتقييد النعمة بكونها عليهم لان الانسان غيور حسود بالطبع فاذا نظر الى ما انعم الله على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط ولذا قيل لا تنظر الى من هو فوقك فى الدنيا لئلا تزدرى بنعمة الله عليك فان من نظر الى ما انعم الله به عليه حمله حب النعمة على الرضى والشكر.
قال ارباب المعانى ربط سبحانه وتعالى بنى اسرائيل بذكر النعمة واسقطه عن امة محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم الى ذكره فقال
{ فاذكرونى أذكركم } [البقرة: 152] ليكون نظر الامم من النعمة الى المنعم ونظر امة محمد من المنعم الى النعمة والنعمة ما لم يحجبك عن المنعم { واوفوا } اتموا ولا تتركوا { بِعَهْدِى } الذى قبلتم يوم الميثاق وهو عام فى جميع اوامره من الايمان والطاعة ونواهيه ووصاياه فيدخل فى ذلك ما عهده تعالى اليهم في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والعهد حفظ الشئ ومراعاته حالا فحالا والمراد منه الموثق والوصية والعهد هنا مضاف الى الفاعل { اوف بعهدكم } اتمم جزاءكم بحسن الاثابة والقبول ودخول الجنة والعهد يضاف الى المعاهد والمعاهد وهو هنا مضاف الى المفعول فان الله عهد اليهم بالايمان والعمل الصالح بنصب الدلائل وارسال الرسل وانزال الكتب ووعد لهم بالثواب على حسناتهم واول مراتب الوفاء منا هو الاتيان بكلمتى الشهادة ومن الله حقن المال والدم وآخرها منا الاستغراق فى بحر التوحيد بحيث تغفل عن انفسنا فضلا عن غيرنا ومن الله الفوز باللقاء الدائم كما قال القشيرى { اوفوا بعهدى } فى دار الحجبة { اوف بعهدكم } فى دار القربة على بساط الوصلة بادامة الانس والرؤية واوفوا بعهدى بقولكم ابدا ربى ربى اوف بعهدكم بجوابكم ابدا عبدى عبدى { اياى } نصب بمحذوف تقديره واياى ارهبوا { فارهبون } فيما تأتون وتذرون وخصوصا فى نقض العهد لا بارهبون لان ارهبون قد أخذ مفعوله والاصل ارهبونى لكن حذفت الياء تخفيفا لموافقة رؤس الآى والفاء الجزائية دالة على تضمن الكلام معنى الشرط كانه قيل ان كنتم راهبين شيأ فارهبون والرهبة خوف معه تحرز والآية متضمنة للوعد لقوله { اوف } والوعيد لقوله { واياى فارهبون } دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وان المؤمن ينبغى ان لا يخاف احدا الا الله للحصر المستفاد من تقديم اياى.