التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ
٤٨
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ واتقوا } اى واخشوا يا بنى اسرائيل { يوما } يوم القيامة اى حساب يوم او عذاب يوم فهو من ذكر المحل وارادة الحال { لا تجزى } اى لا تقتضى فيه ولا تؤدى ولا تغنى فالعائد محذوف والجملة صفة يوم { نفس } مؤمنة { عن نفس } كافرة { شيأ } ما من الحقوق التى لزمت عليها وهو نصب على المفعول به وايراده منكرا مع تنكير النفس للتعميم والاقناط الكلى قال تعالى { { لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم } [الممتحنة: 3] وكيف تنفع وقد قال { { يوم يفر المرء من أخيه } [عبس: 34] الآية: قال في المثنوى

جون يفر المرء آيد من اخيه يهرب المولود يوما من ابيه
زان شود هر دوست آن ساعت عدو كه بت توبود وازره مانع او

وهذا في حق الكفار فاما المؤمن فقد استثناه فقال { { يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم } [الشعراء: 88-89].
اى خال عن الشرك { ولا يقبل منها } اى من النفس الاولى المؤمنة { شفاعة } ان شفعت للنفس الثانية الكافرة عند الله لتخليصها من عذابه والشفاعة مصدر الشافع والشفيع وهو طالب قضاء حاجة غيره مأخوذ من الشفع لانه يشفع نفسه بمن يشفع له في طلب مراده ولا شفاعة في حق الكافر بخلاف المؤمن قال النبي عليه السلام
"شفاعتى لاهل الكبائر من امتىbr>" . فمن كذب بها لم ينلها والآيات الواردة في نفى الشفاعة خاصة بالكفار { ولا يؤخذ منها } اى من المشفوع لها وهى النفس الثانية العاصية { عدل } اى فداء من مال او رجل مكانها او توبة تنجو بها من النار.
والعدل بالفتح مثل الشىء من خلاف جنسه وبالكسر مثله من جنسه وسمى به الفدية لانها تساويه وتماثله وتجرى مجراه { ولا هم ينصرون } اى يمنعون من عذاب الله تعالى ومن ايدى المعذبين فلا نافع ولا شافع ولا دافع لهم والضمير لما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفى من النفوس الكثيرة والتذكير لكونها عبارة عن العباد والاناسى والنصرة ههنا اخص من المعونة لاختصاصها بدفع الضرر.
ثم هذه الآية في غاية البلاغة فانها جمعت ذكر الوجوه التى بها يتخلص المرء من النكبة التى اصابته في الدنيا وهى اربع ينوب عنه غيره في تحمل ما عليه او يفتدى بمال فيخلص منها او يشفع له شافع فيوهب له او ينصره ناصر فيمنعه فقطعها الله عنهم جميعا.
وعن عكرمة انه قال ان الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة فيقول يا بنى انى اب لك في الدنيا وقد احتجت الى مثقال حبة من حسناتك لعلى انجو بها مما ترى فيقول له ولده انى اتخوف مثل الذي تخوفت. انت فلا أطيق ان اعطيك شيأ ثم يتعلق بزوجته فيقول لها فلانة انى زوج لك في الدنيا فتثنى عليه خيرا فيقول لها انى اطلب منك حسنة واحدة تهبينها لى لعلى انجو مما ترين فتقول لا اطيق ذلك انى تخوفت مثل الذي تخوفت منه فيقول الله
{ { وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شىء ولو كان ذا قربى } [فاطر: 18].
عنى من اثقلته الذنوب لا يحمل احد من ذنبه شيأ: قال السعدى

برفتند هر كس درود آنجه كشت نماند بجز نام نيكو وزشت
بر آن خورد سعدى كه بينحى نشاند كسى بردخر من كه تخمى فشاند

وفي التأويلات النجمية { { يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم } [البقرة: 48]
ظاهره عام وباطنه خاص مع قوم منهم قد علم الله فيهم خيرا فاسمعهم خطابه في السر فذكروا نعمته التى انعم بها عليهم وهى استعداد قبول رشاش نوره يوم خلق الله الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فآمنوا بمحمد عليه السلام من خاصية قبول ذلك الرشاش كما قال عليه السلام
"فمن اصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل" { { وأنى فضتلكم على العالمين } [البقرة: 48].
اى بهذه النعمة اى فضلتكم مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بهذه النعمة عند رش النور على من لم يصبهم ذلك النور من العالمين { واتقوا يوما } اى عذاب يوم يخوف الله العام بافعاله كما قال واتقوا النار الخ ويخوف الخاص بصفاته كقوله
{ إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون } [يس: 76] وقوله { { ليسأل الصادقين عن صدقهم } [الأحزاب: 8].
ويخوف خاص الخاص بذاته ويحذركم الله نفسه وقوله
{ { وإتقوا الله حق تقاته } [آل عمران: 102].
{ لا تجزى نفس عن نفس شَيْئأ } [البقرة: 48]
{ { والأمر يومئذ لله } [الإنفطار: 19].
{ ولا يقبل منها شفاعة } في حق نفسها ولا فى حق غيرها بغير الاذن كقوله تعالى
{ { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } [البقرة: 255].
{ ولا يؤخذ منها عدل } اى فداء لانه
{ { ليس للإنسان إلا ما سعى وإن سعيه سوف يرى } [النجم: 39].
والسعى المشكور ما يكون ههنا { ولا هم ينصرون } لانهم ما نصروا الحق ههنا وقد قال الله تعالى
{ { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد: 7].