التفاسير

< >
عرض

فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
٥٩
-البقرة

روح البيان في تفسير القرآن

{ فبدل الذين ظلموا } اى غير الذين ظلموا انفسهم بالمعصية ما قيل لهم من التوبة والاستغفار { قولا } آخر مما لا خير فيه فاحد مفعولى بدل محذوف { غير الذى قيل لهم } غير نعت لقولا وانما صرح به مع استحالة تحقق التبديل بلا مغايرة تحقيقا لمخالفتهم وتنصيصا على المغايرة من كل وجه.
روى انهم قالوا مكان حطة حنطة وقيل قالوا بالنبطية وهى لغتهم حطا سمقانا يعنون حنطة حمراء استخفافا بامر الله تعالى وقال مجاهد طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤسهم فابوا ان يدخلون سجدا فدخلوا يزحفون على استاههم مخالفة فى الفعل كما بدلوا القول واما المحسنون ففعلوا ما امروا به ولذا لم يقل فبدلوا بل قال فبدل الذين ظلموا وظاهره انهم بدلوا القول وحده دون العمل وبه قال جماعة وقيل بل بدلوا العمل والقول جميعا ومعنى قوله قولا غير الذى قيل لهم اى امرا غير الذى امروا به فان امر الله قول وهو تغيير جميع ما امروا به { فانزلنا } اى عقيب ذلك { على الذين ظلموا } اى غيروا ما امروا به ولم يقل عليهم على الاختصار وقد سبق ذكر الذين ظلموا فى الآية لانه سبق ذكر المحسنين ايضا فلو اطلق لوقع احتمال دخول الكل فيه ثم هذا ليس بتكرار لان الظلم اعم من الصغائر والكبائر والفسق لا بد وان يكون من الكبائر فالمراد بالظلم ههنا الكبائر بقرينة الفسق والمراد بالظلم المتقدم هو ما كان من الصغائر { رجزا من السماء } اى عذابا مقدرا والتنوين للتهويل والتفخيم { بما } مصدرية { كانوا يفسقون } بسبب خروجهم عن الطاعة والرجز فى الاصل ما يعاف ويستكره وكذلك الرجس والمراد به الطاعون.
روى انه مات فى ساعة واحدة اربعة وعشرون الفا ودام فيهم حتى بلغ سبعين الفا.
وفى الحديث
"الطاعون رجز ارسل على بنى اسرائيل او على من كان قبلكم فاذا سمعتم ان الطاعون بارض فلا تدخلوها واذا وقع بارض وانتم بها فلا تخرجوا منها" وفى الحديث ايضا "اتانى جبريل بالحمى والطاعون فامسكت الحمى بالمدينة وارسلت الطاعون الى الشأم فالطاعون شهادة لامتى ورحمة لهم ورجس على الكافر" .
واعلم ان من مات من الطاعون مات شهيدا ويأمن فتنة القبر وكذا الصابر فى الطاعون اذا مات بغير الطاعون يوقى فتنة القبر لانه نظير المرابط فى سبيل الله تعالى فالمطعون شهيد وهو من مات من الطاعون والصابر المحتسب فى حكمه وكذا المبطون وهو الميت من داء البطن وصاحب الاسهال والاستسقاء داخل فى المبطون لان عقله لا يزال حاضرا وذهنه باقيا الى حين موته ومثل ذلك صاحب السل وكذا الغرق شهيد وهو بكسر الراء من يموت غريقا فى الماء وكذا صاحب المهدم بفتح الدال ما يهدم وصاحبه من يموت تحته وكذا المقتول فى سبيل الله وكذا صاحب ذات الجنب والحرق والمرأة الجمعاء وهى من تموت حاملا جامعا ولدها وليس موت هؤلاء كموت من يموت فجأة او من يموت بالسام او البرسام والحميات المطبقة او القولنج او الحصاة فتغيب عقولهم لشدة الالم ولورم ادمغتهم وافساد امزجتها * واعلم ان الطاعون مرض يكثر فى الناس ويكون نوعا واحدا والوباء وهو المرض العام قد يكون بطاعون وقد لا يكون.
وفى الحديث
"فناء امتى بالطعن والطاعون قيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفنا فما الطاعون قال وخز اعدائكم من الجن وفى كل شهادة" .
قال ابن الاثير الطعن القتل بالرمح والوخز طعن بلا نفاذ وهذا لا ينفى قوله عليه الصلاة والسلام فى حديث آخر "غدة كغدة البعير تخرج فى مراق البطن" .
وذلك ان الجنى اذا وخز العرق من مراق البطن خرج من وخزه الغدة فيكون وخز الجنى سبب الغدة الخارجة والغدة هى التى تخرج فى اللحم والمراق اسفل البطن.
وفى الحديث
"اذا بخس المكيال حبس القطر واذا كثر الزنى كثر القتل واذا كثر الكذب كثر الهرج" .
والحكمة ان الزنى اهلاك النفس لان ولد الزنى هالك حكما فلذلك وقع الجزاء بالموت الذريع اى السريع لان الجزاء من جنس العمل ألا يرى ان بخس المكيال يجازى بمنع القطر الذى هو سبب لنقص ارزاقهم وكذا الكذب سبب للتفرق والعداوة بين الناس ولهذا يجازى بالهرج الذى هو الفتنة والاختلاط وانما عمت البلية اينما وقعت لتكون عقوبة على اخوان الشياطين وشهادة ورحمة لعباد الله الصالحين اذالموت تحفة للمؤمن وحسرة للفاسق ثم يبعثهم الله على قدر اعمالهم ونياتهم فيجازيهم والفرار من الطاعون حرام اذالفرار نسيان الفاعل المختار كما قال ابن مسعود رضى الله عنه الطاعون فتنة على الفار والمقيم اما الفار فيقول بفراره نجوت واما المقيم فيقول اقمت فمت.
وفى الحديث
"الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر فى الزحف" .
والزحف الجيش الذى يرى لكثرته كانه يزحف اى يدب دبيبا والمراد هنا الفرار من الجيش فى الغزو ولكن يجب ان يقيد بالمثل او الضعف فهذا الخبر يدل على ان النهى عن الخروج للتحريم وانه من الكبائر وليس بعيدا ان يجعل الله الفرار منه سببا لقصر العمر كما جعل الله تعالى الفرار من الجهاد سببا لقصر العمر قال تعالى { { قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذًا لا تمتعون إلا قليلا } [الأحزاب: 16]
اما الخروج بغير طريق الفرار فمرخص فيه لكن الرخصة مشروطة بشرائط صعبة لا يقدر عليها الا الافراد منها حفظ امر الاعتقاد والتحرز من الاسباب العادية للمرض كالهواء الفاسد وغيره فهو رخصة لكن مباشرة الحمية لاجل الخلاص من الموت سفه وعبث لا يشك فى حرمتها عوام المسلمين فضلا عن خواصهم قالوا فى بعض الامراض سراية الى ما يجاوره باذن الله تعالى كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم
"ان من القرف التلف" .
والقرف بالتحريك مداناة المرضى واما قوله عليه السلام "لا عدوى" فانما هو نفى للتعدى طبعا كما هو اعتقاد اهل الجاهلية حيث كانوا يرون التأثير من طبيعة المرض لا نفى للسراية مطلقا والتسبب واجب للعوام والمبتدئين فى السلوك والتوكل افضل للمتوسطين واما الكاملون فليس يمكن حصر احوالهم فالتوكل والتسبب عندهم سيان: قال فى المنثوى

درحذر شوريدن شوروشر ست روتو كل كن توكل بهترست
باقضا نبجه مزن اى تند وتيز تانكيردهم قضا باتوستيز
مرده بايد بود بيش حكم حق تانيايد زحم از رب الفلق

روى ان جالينوس دفع الى اصحابه قرصين مثل البنادق وقال اجعلوا احدهما بعد موتى فوق الحديد الذى يعمل عليه الحدادون والآخر فى حب مملوء من الماء ثم اكسروا الحب ففعلوا كما اوصى فذاب الحديد فى الارض ولم يجدوا منه شيأ وانجمد الماء وقام بلا وعاء قال الحكماء اراد بذلك انى وان قدرت الى اذابة اصلب الاجساد واقامة الماء الذى من طبعه السيلان ما وجدت للموت دواء ولذا قال بعضهم

ألا يا ايها المغرور تب من غير تأخير فان الموت قد يأتى ولو صيرتقارونا
بسل مات ارسطاليس بقراط بافلاج وافلاطون ببرسام وجالينوس مبطونا

قال الشافعىرحمه الله انفس ما يداوى به الطاعون التسبيح ووجهه بان الذكر يرفع العقوبة والعذاب قال تعالى { { فلولا أنه كان من المسبحين } [الصافات: 143] وكذا كثرة الصلاة على النبى المحترم صلى الله تعالى عليه وسلم لكن مثل هذا انما يكون مؤثرا اذا اقترن بالشرائط الظاهرة والباطنة اذ ليس كل ذكر وصلاة شفيعا عند الحضرة الآلهية: قال المنثوى

كرندارى تودم خوش دردعا رودعا ميخواه از اخوان صفا
هركرا دل باك ازاعتدال آن دعايش ميرود تا ذوالجلال
آن دعا بينحودان خودديكرست آن دعا ازونيست كفت داورست
آن دعا حق ميكند جون اوفناست آن دعا وآن اجابت ازخداست
هين بجواين قوم را اى مبتلا هين غنيمت دارشان بيش ازبلا