التفاسير

< >
عرض

وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ
٨١
وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ
٨٢
-الأنبياء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولسليمان الريح } اى وسخرنا له الريح وتخصيص داود بلفظ مع وسليمان باللام للدلالة على ما بين التسخيرين من التفاوت فان تسخير ما سخر له عليه السلام من الريح وغيرها كان بطريق الانقياد الكلى له والامتثال بامره ونهيه والمقهورية تحت ملكوته فجيئ بلام التمليك واما تسخير الجبال والطير لداود عليه السلام فلم يكن بهذه المثابة بل بطريق التبعية له والاقتداء به فى عبادة الله تعالى { عاصفة } حال من الريح اى حال كونها شديدة الهبوب من حيث انها تبعد بكرسيه فى مدة يسيرة من الزمان وكانت لينة فى نفسها طيبة كالنسيم فكان جميعها بين الرخاوة فى نفسها وعصفها فى عملها مع طاعتها لسليمان وهبوبها حسبما يريد ويحتكم معجزة مع معجزة { تجرى }[ميرفت] حال ثانية { بامره } بمشيئته { الى الارض التى باركنا فيه } وهى الشام كانت تذهب به غدوة من الشام الى ناحية من نواحى الارض وبينها وبين الشام مسيرة شهر الى وقت الزوال ثم ترجع به منها بعد الزوال الى الشام عند الغروب كما قال تعالى { غدوها شهر ورواحها شهر
}. قال مقاتل عملت الشياطين لسليمان بساطا فرسخا فى فرسخ من ذهب فى ابريسم وكان يوضع له منبر من ذهب فى وسط البساط فيقعد عليه وحوله كراسى من ذهب وفضة يقعد الانبياء على كراسى الذهب والعلماء على كراسى الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير باجنحتها حتى لا تطلع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح الى الرواح ومن الرواح الى المغرب وكان عليه السلام امرأ قلما يقعد عن الغزو ولا يسمع فى ناحية من الارض ملكا الا اتاه ودعاه الى الحق.
قال الكاشفى [در تخليص آورده كه درشام شهرى بود تدمر نام كه ديوان براى سليمان بنياد ساخته بودند صباح از آنجا بيرون آمدى وياز نماز شام دير آيد آنجا آوردى. ودر مختار القصص آورده كه بامداد از تدمر بيرون آمدى وقيلوله داراصطخر فارس كردى وشبنكاه بكابل رفتى وروزى ديكر از كابل بيرون آمدى وجاشت در اصطخر بودى شام بتدمر باز آمدى] وكانت تجرى الى حيث شاء سليمان ثم يعود الى منزله بالشام - روى - ان سليمان سار من العراق غاديا فقابل نمرود وصلى العصر ببلخ ثم سار من بلخ متخللا بلاد الترك وارض الصين ثم عطف منها على مطلع الشمس على ساحل البحر حتى اتى قندهار وخرج منها الى مكران وكرمان حتى اتى فارس فنزلها اياما وغدا منها بكسكر ثم راح الى الشام وكان مستقره بمدينة تدمر كما فى بحر العلوم: قال الشيخ سعدى قدس سره

نه برباد رفتى سحركاه وشام سرير سليمان عليه السلام
باخر نه ديدى كه برباد رفست خنك آنكه بادانش وداد رفت

{ وكنا بكل شئ عالمين } فنجريه على ما يقتضى علمنا وحكمتنا { ومن الشياطين } اى وسخر لنا له من الشياطين { من يغوصون له } اى يدخلون تحت البحر ويستخرجون له من نفائسه.
قال الراغب الغوص الدخول تحت الماء واخراج شئ منه ويقال لكل من هجم على غامض فاخرجه غائص عينا كان او علما والغواص الذى يكثر منه ذلك { ويعملون عملا دون ذلك } اى غير ما ذكر من بناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة وهؤلاء اما الفرقة الاولى او غيرها لعموم كلمة من كأنه قيل ومن يعملون - روى - ان المسخر له كفارهم لا مؤمنوهم لقوله تعالى { ومن الشياطين }{ وكنا لهم حافظين } اى من ان يزيغوا عن امره ويعصوا ويتمردوا عليه او يفسدوا ما عملوا على ما هو مقتضى جبلتهم والشياطين وان كانوا اجساما لطيفة لكنهم يتشكلون باشكال مختلفة ويقدرون على اعمال الشاقة ألا ترى ان لطافة الريح لا تمنع عصوفها لا سيما انهم تكثفوا فى زمن سليمان فكانوا بحيث يراهم الناس ويستعملونهم فى الاعمال.
قال فى الاسئلة المقحمة فلماذا لم تخرج الشياطين عن طاعة سليمان مع استعمالهم فى تلك الامور الشديدة فالجواب ان الله تعالى اوقع لسليمان فى قلوبهم من الخوف والهيبة حتى خافوا ان يخرجوا عن طاعته وهذا من معجزاته.
قال فى التأويلات النجمية من كمالية الانسان انه اذا بلغ مبلغ الرجال البالغين من الانبياء والاولياء سخر الله له بحسب مقامه السفليات والعلويات من الملك والملكوت فسخر لسليمان عليه السلام من السفليات الريح والجن والشياطين والطير والحيوانات والمعادن والنبات ومن العلويات الشمس حين ردت لاجل صلاته كما سخر لداود عليه السلام الجبال والطير والحديد والاحجار التى قتل بها جالوت وهزم عسكره فسخر لكل نبى شيئا آخر من اجناس العلويات والسفليات وسخر لنبينا عليه الصلاة والسلام من جميع اجناسها فمن السفليات ما قال عليه السلام
"زويت لى الارض فاريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك امتى ما زوى لى منها" وقال "جعلت لى الارض مسجدا وتربتها طهورا" وقال "اتيت بمفاتح خزائن الارض" وكان الماء ينبع من بين اصابعه وقال نصرت بالصبا وكانت الاشجار تسلم عليه وتسجد وتنقلع باشارته عن مكانها وترجع والحيوانات كانت تتكلم معه وتشهد بنبوته وقال "اسلم شيطانى على يدى" وغيره من السفليات واما العلويات فقد انشق له القمر باشارة اصبعه.

بس قمركه امر بشنيد وشتافت بس دونيمه كشت برجرح وشكافت

وسخر له البراق وجبريل والرفرف وعبر السموات السبع والجنة والنار والعرش والكرسى الى مقام قاب قوسيت او ادنى فما بقى شئ من الموجودات الا وقد سخر له

نه كسى دركرد توهركز رسيد نه كسى رانيز جندين عزرسيد

وبقوله { ومن الشياطين من يغوصون } الآية يشير الى انا كما سخرنا الشياطين له يعملون له الاعمال سخرنا للشياطين الاعمال والغوص والصنائع يصنعون بحفظ الله مالا يقدرون عليه الآن.