التفاسير

< >
عرض

وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ
٧٨
-الحج

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجاهدوا } الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع فى مدافعة العدو { فى الله } اى فى سبيل الله كما فى تفسير الجلالين، وقال فى غيره اى لله ولاجله اعداء دينه الظاهرة كاهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس { حق جهاده } [جنانكه سزاوار جهاد او باشد يعنى بدل صافى وينت خالص] اى جهادا فيه حقا خالصا لوجهه فعكس واضيف الحق الى الجهاد مبالغة واضيف الجهاد الى الضمير الراجع الى الله اتساعا، قال الامام الراغب الجهاد ثلاثة اضرب مجاهدة العدو الظاهر ومجاهدة الشيطان ومجاهدة النفس وتدخل ثلاثتها فى قوله تعالى { وجاهدوا فى الله حق جهاده } وفى الحديث "جاهدوا الكفار بايديكم والسنتكم" وفى الحديث "جاهدوا اهواءكم كما تجاهدون اعداءكم" وعنه صلى الله عليه وسلم انه رجع من غزوة تبوك فقال "رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر" فجهاد النفس اشد من جهاد الاعداء والشياطين وهو حملها على اتباع الاوامر والاجتناب عن النواهى: وفى المثنوى

اى شهان كشتيم ماخصم برون ماند ازو خصمى بتر در اندرون
كشتن اين كارعقل وهوش نيست شير باطن سخره خركوش نيست

{ هو اجتباكم } اى هو اختاركم لدينه ونصرته لا غيره وفيه تنبيه على ما يقتضى الجهاد ويدعو اليه، قال ابن عطاء الاجتبائية اورثت المجاهدة لا المجاهدة اورثت الاجتبائية، وفى التأويلات النجمية { وجاهدوا فى الله حق جهاده } بان تجاهدوا النفوس فى تزكيتها باداء الحقوق وترك الحظوظ وتجاهدوا القلوب فى تصفيتها بقطع تعلقات الكونين ولزوم المراقبات عن الملاحظات وتجاهدوا الارواح فى تحليتها بافناء الوجود فى وجوده ليبقى بوجوده وجوده { هو اجتباكم } لهذه الكرامات من بين سائر البريات ولولا ان اجتباكم واستعداد هذا الجهاد اعطاكم واليه هداكم لما جهدتم فى الله كما قيل

فلولا كمو ماعرفنا الهوى ولولا الهوا ماعرفنا كمو

ومن مبادى الحق الجهاد وهو ان لايفتر مجاهدة النفس لحظة كما قال قائلهم

يارب ان جهادى غير منقطع فكل ارضك لى ثغر وطرطوس

{ وما جعلا عليكم فى الدين من حرج } اصل الحرج والحراج مجتمع الشىء وتصور منه ضيق ما بينهما فقيل للضيق حرج اى ما جعل فيه من ضيق بتكليف ما يشق عليه اقامته ولذلك ازال الحرج فى الجهاد عن الاعمى والاعرج وعادم النفقة والراحلة والذى لا يأذن له ابواه، قال الكاشفى [يعنى برشماتنك فرانكرفت ودر احكام دين تكليف مالا يطاق نكرد بوقت ضرورت رخصتها دادجون قصر تميم وافطار در مرض وسفر].
وفى التأويلات النجمية اى ضيف في السير الى الله والوصول اليه لانك تسير الى الله بسيره لا يسيرك وتصل اليه بتقربه اليك لا بتقربك اليه وان كنت ترى ان تقربك اليه منك ولا ترى ان تقربك اليه من نتائج تقربه اليك وتقربه اليك سابق على تقربك اليه كما قال
"من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه ذراعا" فالذراع اشارة الى الشبرين شبر سابق على تقربك اليه وشبر لاحق يتقربك اليه حتى لو مشيت اليه فانه يسارعك من قبل مهر ولا انتهى { ملة ابيكم ابراهيم } نصب على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبله بحذف المضاف اى وسع عليكم دينكم توسعة ملة ابيكم ابراهيم واتبعوا ملة ابيكم كما فى الجلالين، قال الراغب الملة كالدين وهو اسم لما شرع الله لعباده على لسان الانبياء ليتوصلوا به الى جوار الله تعالى والفرق بينها وبين الدين ان الملة لاتضاف الا الى النبى الذى تسند اليه نحو اتبعوا ملة ابراهيم واتبعت ملة آبائى ولا يكاد يوجد مضافا الى الله تعالى ولا الى آحاد مة النبى ولا يستعمل الا فى جملة الشرائع دون آحادها ولايقال ملة الله ولا ملتى وملة زيد كما يقال دين الله واصل الملة من مللت الكتاب ويقال الملة اعتبارا بالنبى الذى شرعها والدين يقال اعتبارا بمن يقيمه اذا كان معناه الطاعة هذا كله في مفردات الراغب وانما جعله اباهم لانه ابو رسول الله وهو كالاب لامته من حيث انه سبب لحياتهم الابدية ووجودهم على الوجه المعتد به فى الآخرة او لان اكثر العرب كانوا من ذريته فغلبوا على غيرهم، قال ابن عطاء ملة ابراهيم هو السخاء والبذل وحسن الاخلاق والخروج عن النفس والاهل والمال والولد.
وفى التأويلات النجمية يشير الى ان السير والذهاب الى الله من سنة ابراهيم عليه السلام لقوله
{ اني ذاهب الى ربى سيهدين } وانما سماه بابيكم لانه كان اباكم فى طريقة السير الى الله كا قال النبى صلى الله عليه وسلم "انا لكم كالوالد لولده" { هو } اى الله تعالى { سماكم المسلمين من قبل } اى فى الكتب المتقدمة { وفى هذا } اى في القرآن { ليكون الرسول } يعنى حضرة محمد يوم القيامة متعلق بسماكم واللام لام العاقبة { شهيدا عليكم } بانه بلغكم فيدل على شهادته لنفسه اعتمادا على عصمته او بطاعة من اطاع وعصيان من عصى { وتكونوا شهداء على الناس } بتبليغ الرسل اليهم { فاقيموا الصلوة وآتوا الزكوة } اى فتقربوا الى الله بانواع الطاعات لما خصكم بهذا الفضل والشرف وتخصيصهما بالذكر لفضلها فان الاول دال على تعظيم امر الله والثانى على الشفقة على الخلق { واعتصموا بالله } اى ثقوا به فى مجامع اموركم ولا تطلبوا الاعانة والنصرة الا منه: وبالفارسية [وجنك در زنيد بفضل خداى يعنى در مجامع امور خود اعتماد بدو كنيد يا بكتاب وسنت متمسك شويد سلمى فرموده كه اعتصام بحبل الله امر عوام است وبالله كار خواص اما اعتصام بحبل الله تمسك باوامر وتنفر ازنواهى واعتصام بالله خلوت دلست ازماسواى حضرت الهى] { هو مولاكم } ناصركم ومتولى اموركم { فنعم المولى ونعم النصير } اذ لا مثل له فى الولاية والنصرة بل لاولى ولا نصير فى الحقيقة سواه تعالى، قال الكاشفى [بس نيك ياريست او ونيكو مدد كارى بيارى عيبها ببوشد وبمدد كارى كناهان بجشديارى ازوجوى كه ازبارى درنماند مدد كارى ازوى طلب كه از مددكارى عاجز نشود]

ازيارى خلق بكذراى مرد خدا يارى طلب آنجنان كه از روى وفا
كارتوتواند كه بسازد همه وقت دست توتواند كه بكيرد همه جا

قال فيتاغورث متى التمست فعلا من الافعال فابدأ الى ربك بالابتهال فى النحج فيه، وشكا رجل الى اخيه الحاجة والضيق فقال له يااخى أغير تدبير ربك تريد لا تسأل الناس وسل من انت له، ودخل سليمان بن عبدالملك الكعبة فقال لسالم بن عبدالله ارفع حوائجك فقال الله لااسأل فى بيت الله غير الله فينبغى للعبد الطالب لعصمة الله تعالى ان يعتصم به فى كل الامور ويجتهد فى رضاه فى الخفاء والظهور ولا يقول ان هذا الامر عسير فان ذلك على الله يسير فانه هو المولى فنعم المولى ونعم النصير قال تعالى ذلك اى النصر بان الله مولى الذين آمنوا الاية
تمت سورة الحج فى اواخر جمادى الاولى من سنة الف ومائة وسبع