التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
١٠٦
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١٠٧
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } اى اذكروا ايها المؤمنون يوم تبيض وجوه كثيرة وتسود وجوه كثيرة. وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكمون الخوف فيه يقال لمن نال بغيته وفاز بمطلوبه ابيض وجهه اى استبشر ولمن وصل اليه مكروه اغبر لونه وتبدلت صورته. فمعنى الآية ان المؤمن يرد يوم القيامة على ما قدمت يداه فان كان ذلك من الحسنات استبشر بنعم الله وفضله واذا رأى الكافر اعماله القبيحة اشتد حزنه وغمه. وقيل بياض الوجه وسواده حقيقتان فيوسم اهل الحق ببياض الوجوه والصحيفة واشراق البشرة وسعى النور بين يديه ويمينه واهل الباطل باضداد ذلك والحكمة فى ظهورهما فى الوجوه حقيقة ان السعيد يفرح بان يعلم قومه انه من اهل السعادة قال تعالى مخبر عنه { { يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين } [يس: 26-27].
والشقى يغتم بعكس ذلك { فاما الذين اسودت وجوههم } فيقال لهم { أكفرتم بعد ايمانكم } الهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم والظاهر انهم اهل الكتابين وكفرهم بعد ايمانهم كفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ايمانهم به قبل مبعثه عليه السلام او جميع الكفرة حيث كفروا بعد ما اقروا بالتوحيد يوم الميثاق { فذوقوا العذاب } المعهود الموصوف بالعظم { بما كنتم تكفرون } بالقرآن ومحمد عليه السلام { واما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله } اى الجنة والنعيم المقيم المخلد عبر عنها بالرحمة تنبيها على ان المؤمن وان استغرق عمره فى طاعة الله تعالى فانه لا يدخل الجنة الا برحمته تعالى { هم فيها خالدون } كانه قيل كيف يكونون فيها فقيل هم فيها خالدون ولا يظعنون عنها ولا يموتون.
والاشارة ان الذين تبيض وجوههم يوم القيامة هم الذين ابيضت قلوبهم اليوم بنور الايمان والجمعية والوفاق مع الله والذين تسود وجوههم يومئذ هم الذين اسودت قلوبهم بالكفر والتفرق والاختلاف من الله وذلك لان الوجوه تحشر بلون القلوب كقوله تعالى
{ { يوم تبلى السرائر } [الطارق: 9].
اى يجعل ما فى الضمائر على الظواهر

زر اندود كانرا بآتش برند بديد آيد آنكه كه مس يازرند

{ فاما الذين اسودت وجوههم } فيقال لهم { أكفرتم بعد ايمانكم } وهم ارباب الطلب السائرون الى الله الذين انقطعوا فى بادية النفس واتبعوا غول الهوى وارتدوا على اعقابهم القهقرى { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } تسترون الحق بالباطل وتعرضون عن الحق فى طلب الباطل وكنتم معذبين بنار الهجران والقطيعة فى الدنيا ولكن ما كنتم تذوقون عذابها لان الناس نيام والنائم لا يذوق ألم الجراحات حتى ينتبه فاذا ماتوا انتبهوا فيذوقوا ألم جراحات الانقطاع والاعراض عن الله { واما الذين ابيضت وجوههم فـ } ـهم { فى رحمة } الجمعية والوفاق مع { الله } فى الدنيا و{ هم فيها خالدون } فى الآخرة لانه يموت المرء على ما عاش فيه ويحشر على ما مات عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يبعث كل عبد على ما مات عليه"
. وقال "من مات سكران فانه يعاين ملك الموت سكران ويعاين منكر ونكير سكران ويبعث يوم القيامة سكران الى خندق فى وسط جهنم يسمى السكران فيه فيه عين يجرى ماؤها دما لا يكون له طعام ولا شراب الا منه"
. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اخبرنى جبريل عليه السلام ان لا اله الا الله انس للمسلم عند موته وفى قبره وحين يخرج من قبره يا محمد لو تراهم حين يمرقون من قبورهم وينفضون عن رؤسهم التراب هذا يقول لا اله الا الله والحمد لله فيبيض وجهه وهذا ينادى يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله مسودة وجوههم"
. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النياحة على الميت من امر الجاهلية وان النائحة اذا لم تتب قبل ان تموت فانها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ثم يعلى عليها بدرع من لهب النار"
. وفى التنزيل { { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان } [البقرة: 275].
قال اهل التأويل كلهم يبعث كالمجنون عقوبة لهم وتمقيتا عند اهل الحشر فجعل الله هذه العلامة لاكلة الربا وذلك انه ارباه فى بطونهم فاثقلهم فهم اذا خرجو من قبورهم يقومون ويسقطون لعظم بطونهم وثقلها عليهم نسأل الله الستر فى الدنيا والآخرة وهو الموفق للصالحات من الاعمال والافعال.