التفاسير

< >
عرض

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٣٢
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ واطيعوا الله } فى كل ما امركم به ونهاكم عنه { والرسول } الذى يبلغكم اوامره ونواهيه { لعلكم ترحمون } راجين لرحمته ولعل وعسى فى امثال ذلك دليل عزة التوصل الى ما جعل خبرا له.
قال القاشانى ولا يخفى على الفطن ما فيه من المبالغة فى التهديد على الربا حيث اتى بلعل فى فلاح من اتقاه واجتنبه لان تعليق امكان الفلاح ورجاءه بالاجتناب منه يستلزم امتناع الفلاح لهم اذا لم يجتنبوه ويتقوه مع ايمانهم. ثم اوعد عليه بالنار التى اعدت للكافرين مع كونهم مؤمنين فما اعظمها من مصيبة توجب عقاب الكفار للمؤمنين وما اشده من تغليظ عليه ثم امد التغليظ بالامر بطاعة الله رسوله تعريضا بان آكل الربا منهمك فى المعصية لا طاعة له ثم علق رجاء المؤمنين بطاعة الله ورسوله اشعارا بانه لا رجاء للرحمة مع هذا النوع من العصيان فهو يوجب اليأس من رحمته للمؤمنين لامتناعها لهم معه فانظر كيف درج التغليظ فى التهديد حتى الحقه بالكفار فى الجزاء والعقاب انتهى بعبارته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والمحلل"
. والربا عبارة عن طلب الزيادة على المال على الوجه الذى نهى الله عنه وهو قسمان ربا النسيئة وربا الفضل. اما ربا النسيئة فهو ما كان يتعارفه اهل الجاهلية ويتعاملون به وقد سبق آنفا. واما ربا الفضل اى اخذ الفضل عند مقابلة الجنس بالجنس نقدا فهو ان يباع منّ من الحنطة بمنين منها وما اشبه ذلك وقد اتفق جمهور العلماء على تحريم الربا فى القسمين.
واعلم ان الربا يؤدى الى الحرص على طلب الدنيا اضعافا مضاعفة الى ما لا يتناهى كما قال عليه الصلاة والسلام
"لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى اليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب"
.والحرص درك من دركات النيران فلذا قال { { واتقوا النار التى أعدت للكافرين } [آل عمران: 131].

قناعت كن اى نفس بد اند كى كه سلطان ودرويش بينى يكى

فالحرص على الدنيا وسعيها وجمعها مذموم منهى عنه والبذل والايثار وترك الدنيا والقناعة فيها محمود مأمور به يدل عليه قوله تعالى { { يمحق الله الربوا ويربى الصدقات } [البقرة: 276].
فمن اخذ الربا لتكثير المال بلا احتياج كان كمن يقع على امه نعوذ بالله ـ روى ـ عن عبد الله بن سلام للربا اثنان وسبعون حوبا اصغرها كمن اتى امه فى الاسلام كذا فى تنبيه الغافلين. واذا اخذه بوجه شرعى مع الاحتياج يجوز فى الفتوى ولكن التقوى فوق امر الفتوى والحيلة الشرعية فيه ذكرها قاضيخان حيث قال رجل له على رجل عشرة دراهم فاراد ان يجعلها ثلاث عشر قالوا قالوا يشترى من المديون شيأ بتلك العشرة ويقبض المبيع ثم يبيعه من المديون بثلاثة عشر الى سنة فيقع التحرز عن الحرام ومثل هذا مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واذا احتاج الى الاستقراض فاستقرض من رجل فلم يعطه الا بالربا فالاثم على آخذ الربا دون معطيه لانه له فيه ضرورة وهذا اذا كان الآخذ غنيا كما عرفت فالمرء الصالح يتباعد عن مثل هذه المعاملات فان الربا يضر بايمان المؤمنين وهو وان كان زيادة فى الحال لكنه نقصان فى الحقيقة فان الفقراء الذين يشاهدون ان المرابى يأخذ اموالهم بسبب الربا يلعنونه ويدعون عليه وذلك يكون سببا لزوال الخير والبركة عنه فى نفسه وماله بل عما يتفرع من نقص عرضه وقدره وتوجه مذمة الناس اليه وسقوط عدالته وزوال امانته وفسق القلب وغلظته. وآخذ الربا لا يقبل الله منه صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا صلاة وقد ثبت فى الحديث
"ان الاغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسائة عام"
. فاذا كان الغنى من الوجه الشرعى الحلال كذلك فما ظنك بالغنى من الوجه الحرام. فالانسان مع فقره وحاجته اذا توكل على الله واحسن الى عبيده فالله تعالى لا يتركه ضائعا جائعا فى الدنيا بل يزيد كل يوم فى جاهه وذكره الجميل ويميل قلوب الناس اليه. واما اذا كان بخلاف ذلك فيكون امره عسيرا فى الدنيا والآخرة والعمل السوء ينزع به الايمان عند الموت فيستحق به صاحبه الخلود فى النار كالكفار نعوذ بالله من ذلك.
وروى ابو بكر الوراق عن ابى حنيفةرحمه الله اكثر ما ينزع الايمان لاجل الذنوب من العبد عند الموت واسرعها نزعا للايمان ظلم العباد فاتق ايها المؤمن من الله ولا تظلم عباد الله باخذ اموالهم من ايديهم بغير حق فانه حوب كبير عصمنا الله واياكم من سوء الحساب.