التفاسير

< >
عرض

لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ
١٩٨
-آل عمران

روح البيان في تفسير القرآن

{ لكن الذين اتقوا ربهم } اى خافوه فلم يخالفوا مره ولا نهيه { لهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها } وجه الاستدراك انه تعالى لما وصف الكفار بقلة نفع تقلبهم فى البلاد لاجل التجارة وجاز ان يتوهم متوهم ان قلة النفع من لوازم التقلب من حيث هو استدرك ان المتقين وان تقلبوا واصابوا ما اصابه الكفار او لم يصيبوا لهم مثوبات حسنى لا يقادر قدرها { نزلا من عند الله } حال من جنات لتخصصها بالوصف. والنزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وغيرهما { وما عند الله } لكثرته ودوامه { خير للابرار } مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه ما من نفس برة ولا فاجرة الا والموت خير لها ام البرة فان الله تعالى يقول { وما عند الله خير للابرار } واما الفاجرة فانه يقول
{ { إنما نملى لهم ليزدادوا إثما } } [آل عمران: 178].
"وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه جئت فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مشربة وانه لعلى حصير ما بينه وبينه شىء وتحت رأسه وسادة من ادم حشوها ليف وان عند رجليه قرظا مصبورا وعند رأسه اهب معلقة فرأيت اثر الحصير فى جنبه فبكيت فقال { ما يبكيك } فقلت يا رسول الله ان كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما ترضى ان يكون لهما الدنيا ولنا الآخرة"

ازبى ذكر وشوق حق مارا دردو عالم دل وزبانى بس
وزطعام ولباس اهل جهان كهنه دلقى ونيم نانى بس

ومما وجد فى خزائن الاسكندر مكتوبا بالذهب الاحمر حركات الافلاك لا تبقى على احد نعمة فاذا اعطى العبد مالا او جاها او رفعة فلتكن همته فى انتهاز الفرصة وتقليد المنن اعناق الرجال فان الدنيا والجاه والرفعة تزول اما ندم طويل او مدح جزيل فاكرموا من له حسب فى الاصل او قدم فى المروءة ولا يغرنكم تقلب الزمان باهله فان للدهر عثرات يجبر كما يكسر ويكسر كما يجبر والامر الى الله تعالى: قال جلال الدين الرومى قدس سره

جند كويى من بكيرم عالمى اين جهانرا بركنم ازخود همى
كرجهان بريرف كرددسر بسر تاب خور بكدازدش ازيك نظر

وعن الحسن قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على اصحابه فقال هل منكم من يريد ان يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا. ألا انه من رغب فى الدنيا وطال امله فيها اعمى الله قلبه على قدر ذلك ومن زهد فى الدنيا وقصر امله اعطاه الله تعالى علما بغير تعلم وهدى بغير هداية. ألا انه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك الا بالقتل والتجبر ولا الغنى الا بالفخر والبخل ولا المحبة الا باتباع الهوى. ألا فمن ادرك ذلك الزمان منكم فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز لا يريد بذلك الا وجه الله تعالى اعطاه تعالى ثواب خمسين صديقا"
. قال ابن عباس رضى الله عنهما يؤتى بالدنيا يوم القيامة فى صورة عجوز شمطاء زرقاء وانيابها بادية مشوهة خلقها وتشرف على الخلائق فيقال أتعرفون هذه فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه فيقال هذه الدنيا التى تفاخرتم عليها بها تقاطعتم الارحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ثم تقذف فى جهنم فتنادى يا رب اين اتباعى واشياعى فيقول الله تعالى الحقوا بها اتباعها قال عليه السلام "يحشر اقوام يوم القيامة واعمالهم كجبال تهامة ويؤمر بهم الى النار قالوا يا رسول الله مصلين قال نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون سنة من الليل فاذاعرض لهم شىء من الدنيا وثبوا عليه" "قالت عائشة رضى الله عنها قلت يا رسول الله ألا تستطعم الله فيطعمك قالت وبكيت لما رأيت به من الجوع وشد الحجر على بطنه من السغب فقال يا عائشة والذى نفسى بيده لو سألت ربى ان يجرى معى جبال الدنيا ذهبا لاجراها حيث شئت من الارض ولكنى اخترت جوع الدنيا على شبعها وفقر الدنيا على غناها وحزن الدنيا على فرحها يا عائشة ان الدنيا لا تنبغى لمحمد ولا لآل محمد" ـ وروى ـ انه عليه السلام عرض عليه عشار من النوق وهى الحوامل منها فاعرض عنها وغض بصره مع انها من احب الاموال اليهم وانفسها عندهم لانها كانت تجمع الظهر واللحم واللبن ولعظمتها فى قلوبهم قال الله عز وجل { { وإذا العشار عطلت } [التكوير: 4].
فلما لم يلتفت اليها قيل له يا رسول الله هذه انفس اموالنا فلم لا تنظر اليها قال
"قد نهى الله عن ذلك" ثم تلا قوله تعالى { { ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به } [طه: 131] الآية.
هذا معاملته مع الدنيا. وفى التوجه الى الآخرة ما كان يريد الا الرفيق الاعلى قال صلى الله عليه وسلم
"انا حبيب الله ولا فخر وانا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم ومن دونه ولا فخر وانا اول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فيدخلنيها ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر"
. والمقصود ان فى الفقر والقناعة فضيلة وان الفقراء يدخلون الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاغنياء

اى قناعت توانكرم كردان كه وراى توهيج نعمت نيست
كنج صبر اختيار لقمانست هركرا صبر نيست حكمت نيست

فعلى العبد العاقل ان يجتنب عن الدنيا واخوانها ويرغب فى الآخرة وجنانها بل يترقى الى الوصول الى الله تعالى.
قال ابو يزيد البسطامى قدس سره فى عباد الله عبد لو اعطى الجنات بزينتها لهرب كما يهرب اهل النار من النار وهو الذى غلب عليه محبة الله فلا يميل الى غيره ومن ذلك المقام قال ابو يزيد غاب قلبى عنى ثمانين سنة فلما اردت ان آخذه قيل أتطلب غيرنا ـ وحكى ـ عن بعض الصالحين انه رأى فى المنام معروف الكرخى شاخصا بصره نحو العرش قد اشتغل عن الحور العين وقصور الجنة فسأل رضوان من هذا قال معروف الكرخى مات مشتاقا الى الله فاباح له ان ينظر اليه فمطمح نظر العارف الجنة المعنوية وهى جنة معرفة الله ووصوله التى هى خير من جنة الفردوس واعلى عليين فليسارع السالك الى وصول هذه الجنة ودخولها قبل ادراك منيته وانقضاء عمره ومجيئ اجله

حضورى كرهمى خواهى ازوغائب مشو حافظ متى ما تلق من تهوى دع الدنيا واهملها