التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٧
-الروم

روح البيان في تفسير القرآن

{ وهو الذى يبدؤا الخلق } بمعنى المخلوق اى ينشئهم فى الدنيا ابتداء فانه انشأ آدم وحواء وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ثم يميتهم عند انتهاء آجالهم { ثم يعيده } تذكير الضمير باعتبار لفظ الخلق اى ثم يعيدهم فى الآخرة بنفخ صور اسرافيل فيكونون احياء كما كانوا { وهو } اى الاعادة وتذكير الضمير لانها فى تأويل ان يعيدوا لقوله { اهون عليه } اى اسهل وايسر عليه تعالى من البدء بالاضافة الى قدركم ايها الانسان والقياس الى اصولكم والا فهما عليه تعالى سواء انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون سواء هناك مادة ام لا يعنى ان ابتداء الشئ اشد عند الخلق من اعادته واعادته اهون من ابتدائه فتكون الاية واردة على ما يزعمون فيما بينهم ويعتقدون عندهم والا فما شق على الله ابتداء الخلق ليكون اعادتهم اهون عليه.
قال الكاشفى [اعاده باعتقاد شما آسانترست از ابداء بس جون ابداء اقرار داريد اعاده راجرا منكريد وابداء واعاده نزد قدرت او يكسانست]

جون قدرت او منزه ازنقصانست آوردن خلق وبردنش يكسانست
نسبت بمن وتو هرجه دشوار بود در قدرت بر كمال او آسانست

قال بعضهم افعل ههنا بمعنى فعيل اى أهون بمعنى هين مثل الله اكبر بمعنى كبير قال الفرزدق

ان الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه اعز واطول

اى عزيزة طويلة.
وفى التأويلات النجمية يعنى الاعادة اهون عليه من البداءة لان فى البداءة كان بنفسه مباشرا للخليقة وفى الاعادة كان المباشر اسرافيل بنفخته والمباشرة بنفس الغير فى العمل اهون من المباشر بنفسه عند نظر الخلق وعنده سواء لان افعال الاغيار ايضا مخلوقة.
وفيه اشارة اخرى فى غاية الدقة واللطافة وهى ان الخلق اهون على الله عند الاعادة منهم عند البداءة لان فى البداءة لم يكونوا متلوثين بلوث الحدوث ولا متدنسين بدنس الشركة فى الوجود بان يكونوا شركاء فى الوجود مع الله فلعزتهم فى البداءة باشر بنفسه وخلقهم وفى الاعادة لهو انهم باشر بنفسى غيره انتهى.
قال فى القاموس هان هونا بالضم وهو انا ومهانة ذلك وهونا سهل فهو هين بالتشديد والتخفيف واهون { وله } اى لله تعالى { المثل الاعلى } المثل بمعنى الصفة كما فى قوله { مثل الجنة التى } { ومثلهم فى التوراة } اى الوصف الاعلى العجيب الشان من القدرة العامة والحكمة التامة وسائر صفات الكمال التى ليس لغيره ما يدانيها فضلا عما يساويها: وبالفارسية [ومروراست صفت برتروصنعت بزركتر جون قدرت كامله وحكمت شامله ووحدت ذات وعظمت صفات] ومن فسره بقوله لا اله الا الله اراد به الوصف بالوحدانية يعنى له الصفة العليا وهو انه لا اله الا هو ولا رب غيره { فى السموات والارض } متعلق بمضمون الجملة المتقدمة على معنى انه تعالى قد وصف به وعرف فيهما على ألسنة الخلائق اى نطقا وألسنة الدلائل. اى دلالة { وهو العزيز } اى القادر الذى لا يعجز عن بدء ممكن واعادته { الحكيم } الذى يجرى الافعال على سنن الحكمة والمصلحة.
يقول الفقير دلت الآية على ان السموات والارض مشحونة بشواهد وحدته ودلائل قدرته تعالى

زهر ذره بدورويى وراهيست بر اثبات وجود اوكواهيست

وذلك لاهل البصيرة فانهم هم المطالعون جمال انواره والمكاشفون عن حقيقة اسراره والعجب منك انك اذا دخلت بيت غنى فتراه مزينا بانواع الزين فلا ينقطع تعجبك عنه ولاتزال تذكره وتصف حسنه طول عمرك وانت تنظر ابدا الى الآفاق والانفس وهى بيوت الله المزينة باسمائه وصفاته وآثاره المتجلية بقدرته وعجيب آياته ثم انت فيما شاهدته اعمى عن حقيقته لعمى باطنك وعدم دخولك فى بيت القلب الذى بالتفكر المودع فيه يستخرج الحقائق وبالتذكر الموضوع فيه يرجع الانسان الى ما هو بالرجوع لائق وبالشهود الذى فيه يرى الآيات ويدرك البينات ولولا هداية الملك المتعال لبقى الخلق فى ظلمات الضلال وسرادقات الجلال.
قال بعض الكبار فى سبب توبته كنت مستلقيا على ظهر فسمعت طيورا يسبحن فاعرضت عن الدنيا واقبلت الى المولى وخرجت فى طلب المرشد فلقيت ابا العباس الخضر عليه السلام فقال لى اذهب الى الشيخ عبدالقادر قدس سره فانى كنت فى مجلسه فقال ان الله تعالى جذب عبدا الى جنابه فارسله الىّ اذا لقيته قال فلما جئت اليه قال مرحبا بمن جذبه الرب اليه بألسنة الطير وجمع له كثيرا من الخير فجميع ما فى العالم حجج واضحة وادلة ساطعة ترشدك الى المقصود فعليك بتوحيد الله تعالى فى الليل والنهار فانه خير اوراد واذكار قال تعالى { ولذكر الله اكبر } وذكر الله سبب الحضور وموصل الى مشاهدة المذكور ولكن الكل بعناية الله الملك الغفور ومن لم يجعل له نوار فما له من نور

ياذا الذى انس الفؤاد بذكره انت الذى ما ان سواك اريد
تفنى الليالى والزمان باسره وهواك غض فى الفؤاد جديد

قال ذو النون المصرى قدس سره رأيت فى جبل لكام فتى حسن الوجه حسن الصوت وقد احترق بالعشق والوله فسلمت عليه فرد علىّ السلام وبقى شاخصا يقول

اعميت عينى عن الدنيا وزينتها فانت والروح شىء غير مفترق
اذا ذكرتك وافى مقلتى ارق من اول الليل حتى مطلع الفلق
وما تطابقت الاحداق عن سنة الا رأيتك بين الجفن والحدق

قلت اخبرنى ما الذى حبب اليك الانفراد وقطعك عن المؤانسين وهيمك فى الاودية والجبال فقال حبى له هيمنى وشوقى اليه هيجنى ووجدى به افردنى ثم قال ياذا النون اعجبك كلام المجانين قلت اى والله واشجانى ثم غاب عنى فلم ادر اين ذهب رضى الله عنه وجعل من حاله نصيبا لاهل الاعتقاد ومن طريقه سلوكا لاهل الرشاد انه العزيز الحكيم الجواد والرؤف بالعباد الرحيم يوم التناد الموصل فى الدارين الى المراد.