التفاسير

< >
عرض

تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً
٥١
-الأحزاب

روح البيان في تفسير القرآن

{ ترجى من تشاء منهن } قرأ نافع وحمزة والكسائى وحفص وابو جعفر ترجى بياء ساكنة والباقون ترجئ بهمزة مضمومة. والمعنى واحد اذ الياء بدل من الهمزة وذكر فى القاموس فى الهمزة ارجأ الامر اخره وترك الهمزة لغة وفى الناقص الارجاء التأخير وهو بالفارسية [وابس افكندن].
قال فى كشف الاسرار الارجاء تأخير المرأة من غير طلاق والمعنى تؤخر يا محمد من تشاء من ازواجك وتترك مضاجعتها من غير نظر الى نوبة وقسم وعدل { وتؤوى اليك من تشاء } يقال اوى الى كذا اى انضم وآواه غيره ايواء اى وتضمها اليك وتضاجعها من غير التفات الى نوبة وقسمة ايضا فالاختيار بيديك فى الصحبة بمن شئت ولو اياما زائدة على النوبة وكذا فى تركها او تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء او تترك تزوج من شئت من نساء امتك وتتزوج من شئت كما فى بحر العلوم { ومن ابتغيت } اى وتؤوى اليك ايضا من ابتغيتها وطلبتها { ممن عزلت } اى طلقتها بالرجعة. والعزل الترك والتبعيد { فلا جناح } لا اثم ولا لوم ولا عتاب ولا ضيق { عليك } فى شئ مما ذكر من الامور الثلاثة كما فى كشف الاسرار [درين هرسة برتوتنكى نيست].
وقال فى الكواشى من مبتدأ بمعنى الذى او شرط نصب بقوله ابتغيب وخبر المبتدأ وجواب الشرط على التقديرين فلا جناح عليك وهذه قسمة جامعة لما هوالغرض وهو اما ان يطلق واما ان يمسك واذا امسك ضاجع او ترك وقسم او لم يقسم واذا طلق فاما ان لا يبتغى المعزولة او يبتغيها.
والجمهور على ان الآية نزلت فى القسم بينهن فان التسوية فى القسم كانت واجبة عليه فلما نزلت سقط عنه وصار الاختيار اليه فيهن وكان ذلك من خصائصه عليه السلام ـ ويروى ـ ان ازواجه عليه السلام لما طلبن زيادة النفقة ولباس الزينة هجر شهرا حتى نزلت آية التخيير فاشفقن ان يطلقهن وقلن يا نبى الله افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت ودعنا على حالنا فارجأ منهن خمسا ام حبيبة وميمونة وسودة وصفية وجويرية فكان يقسم لهن ما شاء وآوى اليه اربع عائشة وحفصة وزينب وام سلمة فكان يقسم بينهن سواء. ويروى انه عليه السلام لم يخرج احدا منهن عن القسم بل كان يسوى بينهن ما اطلق له وخير فيه الاسودة فانها رضيت بترك حقها من القسم ووهبت ليلتها لعائشة وقالت لا تطلقنى حتى احشر فى زمرة نسائك { ذلك } اى ما ذكر من تفويض الامر الى مشيئتك { ادنى ان تقر اعينهن } [نزديكتراست بآنكه روشن شود جشمهاى ايشان] فاصله من القر بالضم وهو البرد وللسرور دمعة قارة اى باردة وللحزن دمعة حارة او من القرار اى تسكن اعينهن ولا تطمح الى ما عاملتهن به.
قال فى القاموس قرت عينه تقر بالكسر والفتح قرة وتضم وقرورا بردت وانقطع بكاؤها او رأت ما كانت متشوفة اليه وقر بالمكان يقر بالكسر والفتح قرارا ثبت وسكن كاستقر { ولا يحزن } [واندو هناك نشوند] { ويرضين بما آتيتهن كلهن } [وخوشنود باشند بآنجه دهى ايشانرا يعنى جون همه دانستندكه آنجه توميكنى از ارجاء وايواء وتقريب وتبعيد بفرمان خداست ملول نميشوند] قوله كلهن بالرفع تأكيد لفاعل يرضين وهو النون اى اقرب الى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا لانه حكم كلهن فيه سواء ثم ان سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك وان رجحت بعضهن علمن انه بحكم الله فتطمئن به نفوسهن ويذهب التنافس والتغاير فرضين بذلك فاخترنه على الشرط ولذا قصره الله عليهن وحرم عليه طلاقهن والتزوج بسواهن وجعلهن امهات المؤمنين كما فى تفسير الجلالين { والله } وحده { يعلم ما فى قلوبكم } من الضمائر والخواطر فاجتهدوا فى احسانها { وكان الله عليما } مبالغا فى العلم فيعلم ما تبدونه وما تخفونه { حليما } لا يعاجل بالعقوبة فلا تغتروا بتأخيرها فانه امهال لا اهمال

نه كردن كشانرا بكيرد بفور نه عذر آورانرا راند بجور
وكر خشم كيرد بكردار زشتجو باز آمدى ماجرا در نوشت
مكن يك نفس كار بد اى بسر جه دانى دجه آيد بآخر بسر

وفى التأويلات النجمية لما انسلخت نفسه عليه السلام عن صفاتها بالكلية لم يبق له ان يقول يوم القيامة نفسى نفسى ومن هنا قال "اسلم الشيطان على يدى" فلما اتصفت نفسه بصفات القلب وزال عنها الهوى حتى لا ينطق بالهوى اتصفت دنياه بصفات الآخرة فحل له الدنيا ما يحل لغيره فى الآخرة لانه نزع من صدره فى الدنيا غل ينزع من صدره غيره فى الآخرة كما قال { { ونزعنا ما فى صدورهم من غل } وقال فى حقه { { ألم نشرح لك صدرك } يعنى نزع الغل منه فقال الله تعالى له فى الدنيا { ترجى من تشاء } الخ اى على من تتعلق به ارادتك ويقع عليه اختيارك فلا حرج عليك ولا جناح كما يقول لاهل الجنة { { ولكم فيها ما تشتهى الانفس وتلذ الاعين } { وكان الله عليما } فى الازل بتأسيس بنيان وجودك على قاعدة محبوبيتك ومحبيتك { حليما } فيما صدر منك فيحلم عنك ما لم يحلم عن غيرك انتهى.
قيل انما يقع ظله عليه السلام على الارض لانه نور محض وليس للنور ظل.
وفيه اشارة الى انه افنى الوجود الكونى الظلى وهومتجسد فى صورة البشر ليس له ظلمة المعصية وهو مغفور عن اصل.
قال بعض الكبار ليس فى مقدور البشر مراقبة الله فى السر والعلن مع الانفس فان ذلك من خصائص الملأ الاعلى. واما رسول الله عليه السلام فكان له هذه المرتبة فلم يوجد الا فى واجب او مندوب او مباح فهو ذاكر الله على احيانه. وما نقل من سهوه عليه السلام فى بعض الامور فهو ليس كسهو سائر الخلق الناشئ عن رعونة الطبع وغفلته حاشاه عن ذلك بل سهوه تشريع لامته ليقتدوا به فيه كالسهو فى عدد الركعات حيث انه عليه السلام صلى الظهر ركعتين ثم سلم فقال ابو بكر رضى الله تعالى عنه صليت ركعتين فقام واضاف اليهما ركعتين وبعض سهوه عليه السلام ناشئ عن الاستغراق والانجذاب ولذلك كان يقول
"كلمينى يا حميراء"
والحاصل ان حاله عليه السلام ليس كاحوال افراد امته ولذا عامل الله تعالى به ما لم يعامل بغيره اذ هو يعلم ما فى القلوب والصدور ويحيط باطراف الامور نسأل منه التوفيق لرضاه والوسيلة لعطاه وهو المفيض على كل نبى وولى والمرشد فى كل امر خفى وجلى