التفاسير

< >
عرض

وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ
٥١
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ ونفخ فى الصور } اى ينفخ فى الصور وصيغة الماضى للدلالة على تحقق الوقوع والنفخ نفخ الريح فى الشئ: وبالفارسية [دردميد] والجمهور على اسكان واو الصور.
وفيه وجهان.
احدهما انه القرن الذى ينفخ فيه اسرافيل عليه السلام وفيه بعدد كل روح ثقبة هى مقامه فالمعنى ونفخ فى القرن نفخا هو سبب لحياة الموتى. والثانى جمع صورة كصوف جمع صوفة ويؤيد هذا الوجه قراءة بعض القراء ونفخ فى الصور بفتح الواو فالمعنى ونفخ فى الصور الارواح وذلك ايضا بنفخ القرن والمراد النفخة الثانية التى يحيى الله بها كل ميت لا النفخة الاولى التى يميت الله بها كل حى وبينهما اربعون سنة تبقى الارض على حالها مستريحة بعدما مر بها من الاهوال العظام والزلازل وتمطر سماؤها وتجرى مياهها وتطعم اشجارها ولاحى على ظهرها من المخلوقات فاذا مضى بين النفختين اربعون عاما امطر الله من تحت العرش ماء غليظا كمنى الرجال يقال له ماء الحيوان فتنبت اجسامهم كما ينبت البقل وتأكل الارض ابن ادم الاعجب الذنب فانه يبقى مثل عين الجرادة لا يدركه الطرف فينشأ الخلق من ذلك وتركب عليه اجزاؤه كالهباء فى شعاع الشمس فاذا تكاملت الاجساد يحيى الله تعالى اسرافيل فينفخ فى الصور فيطير كل روح الى جسده ثم ينشق عنه القبر { فاذا هم } بغتة من غير لبث اى الكفار كما دل عليه ما بعد الاية { من الاجداث } اى القبور جمع جدث محركة وهو القبر كما فى القاموس.
فان قيل اين يكون فى ذلك الوقت اجداث وقد زلزلت الصيحة الجبال.
اجيب بان الله يجمع اجزاء كل ميت فى الموضع الذى اقبر فيه فيخرج من ذلك الموضع وهو جدثه { الى ربهم } اى الى دعوة ربهم ومالك امرهم على الاطلاق وهى دعوة اسرافيل للنشور او الى موقف ربهم الذى اعد للحساب والجزاء وقد صح ان بيت المقدس هى ارض المحشر والمنشر وكل من الجارين متعلق بقوله { ينسلون } كما دل عليه قوله
{ { يوم يخرجون من الاجداث سراعا } اى يسرعون بطريق الاجبار دون الاختيار لقوله تعالى { { لدينا محضرون } من نسل الثعلب ينسل اسرع فى عدوه والمصدر نسل ونسلان واذا المفاجأة بعد قوله { ونفخ فى الصور } اشارة الى كمال قدرته تعالى والى ان مراده لا يتخلف عن ارادته زمانا حيث حكم بان النسلان وهو سرعة المشى وشدة العدو يتحقق فى وقت النفخ لا يتخلف عنه مع ان النسلان لا يكون الا بعد مراتب وهى جمع الاجزاء المتفرقة والعظام المتفتة وتركيبها واحياؤها وقيام الحى ثم نسلانه.
فان قيل قال تعالى فى آية اخرى
{ { فاذا هم قيام ينظرون } وقال ههنا { فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون } والقيام غير النسلان وقد صدر كل واحد منهما فى موضعه باذا المفاجأة فيلزم ان يكونا معا.
والجواب من وجهين. والاول ان القيام لا ينافى المشى السريع لان الماشى قائم ولا ينافى النظر ايضا. والثانى ان الامور المتعاقبة التى لا يتخلل بينها زمان ومهلة تجعل كأنها واقعة فى زمان واحد كما اذا قيل مقبل مدبر