التفاسير

< >
عرض

وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ
٥٩
-يس

روح البيان في تفسير القرآن

{ وامتازوا } يقال مازه عنه يميزه ميزا اى عزله ونحاه فامتاز والتمييز الفصل بين المتشابهات ودل الامتياز على انه حين يحشر الناس يختلط المؤمن والكافر والمخلص والمنافق ثم يمتاز احد الفريقين عن الآخر كقوله تعالى { { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون } وهو عطف قصة سوء حال هؤلاء وكيفية عقابهم على قصة حسن حال اولئك ووصف ثوابهم وكان تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما ويجوز ان يكون معطوفا على مضمر ينساق اليه حكاية حال اهل الجنة كأنه قيل بعد بيان كونهم فى شغل عظيم الشان وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم وانفردوا { اليوم } وهو يوم القيامة والفصل والجزاء { ايها المجرمون } الى مصيركم فكونوا فى السعير وفنون عذابها ولهبها بدل الجنة لهم والوان نعمها وطربها: وبالفارسية [وجدا شويد آنروز اى مشركان ازموحدان واى منافقان از مخلصان كه شما بزندان دشمنان مى رانند وايشانرا ببوستان دوستان خوانند].
وعن قتادة اعتزلوا عما ترجون وعن كل خير او تفرقوا فى النار لكل كافر بيت من النار ينفرد به ويردم بابه بالنار فيكون فيه ابد الابدين لا يرى ولا يرى وهو على خلاف ما للمؤمن من الاجتماع بالاخوان وعذاب الفرقة عن القرناء والاصحاب من اسوء العذاب واشد العقاب.
وفى التأويلات يشير الى امتياز المؤمن والكافر فى المحشر والمنشر بابيضاض وجه المؤمن واسوداد وجه الكافر وبايتاء كتاب المؤمن بيمينه وبايتاء كتاب الكافر بشماله وبثقل الميزان وبخفته وبالنور وبالظلمة وثبات القدم على الصراط وزلة القدم عن الصراط وغير ذلك.
قال بعض الكبار اعلم ان اهل النار الذين لا يخرجون منها اربع طوائف المتكبرون والمعطلة والمنافقون والمشركون ويجمعها كلها المجرمون قال تعالى { وامتازوا اليوم ايها المجرمون } اى المستحقون لان يكونوا اهلا لسكنى النار فهؤلاء اربع طوائف هم الذى لا يخرجون من النار من انس وجن وانما جاء تقسيمهم الى اربع طوائف من غير زيادة لان الله تعالى ذكر عن ابليس انه يأتينا من بين ايدينا ومن خلفنا وعن ايماننا وعن شمائلنا ولا يدخل احد النار الا بواسطته فهو يأتى للمشرك من بين يديه ويأتى للمتكبر عن يمينه ويأتى للمنافق عن شماله ويأتى للمعطل من خلفه وانما جاء للمشرك من بين يديه لان المشرك بين يديه جهة غيبية فاثبت وجود الله ولم يقدر على انكاره فجعله ابليس يشرك بالله فى الوهيته شيئا يراه ويشاهده وانما جاء للمتكبر من جهة اليمين لان اليمين محل القوة فلذلك تكبر لقوته التى احس بها من نفسه وانما جاء للمنافق من جهة شماله الذى هو الجانب الاضعف لكون المنافق اضعف الطوائف كما ان الشمال اضعف من اليمين ولذلك كان فى الدرك الاسفل من النار ويعطى كتابه بشماله وانما جاء للمعطل من خلفه لان الخلف ما هو محل نظر فقال له ما ثم شئ فهذه اربع مراتب لاربع طوائف ولهم من كل باب من ابواب جهنم جزء مقسوم وهى منازل عذابهم فاذا ضربت الاربع التى هى المراتب فى السبعة ابواب كان الخارج ثمانية وعشرين منزلا عدد منازل القمر وغيره من الكواكب السيارة انتهى كلامه