التفاسير

< >
عرض

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ
٣١

روح البيان في تفسير القرآن

{ اذ عرض عليه } اى اذكر ما صدر عنه اذ عرض عليه يقال عرض له امر كذا اى ظهر وعرضته له اى اظهرته وعرض الجند اذا امرهم عليه ونظر ما حالهم { بالعشى } هو من الظهر الى آخر النهار { الصافنات } مرفوع بعرض جمع صافن لا صافنة لانه لذكور الخيل وصفة المذكر الذى لا يعقل يجمع هذا الجمع مطردا كما عرف فى النحو. والصفن الجمع بين الشيئين ضاما بعضهما الى بعض يقال صفن الفرس قوائمه اذا قام على ثلاث وثنى الرابعة اى قلب احد حوافره وقام على طرف سنبك يد او رجل والسنبك طرف مقدم الحافر وهو من الصفات المحمودة فى الخيل لا يكاد يتفق الا فى العربى الخالص: والمعنى بالفارسية [اسبان ايستاده به سه باى وبر كناره سم از قائم جهارم] { الجياد } جمع جواد وجود وهو الذى يسرع فى جريه تشبيها له بالمطر الجود: والمعنى بالفارسية [اسبهاى تازى نيورنك نيكوقد تيزرو] كذا قاله صاحب كشف الاسرار وكأنه جمع بين معنى الجيد والجواد.
قال فى القاموس الجواد السخى والسخية والجمع الاجواد والجيد ضد الرديىء والجمع الجياد وقيل الجواد هو الفرس الذى يجود عند الركض اى العدو.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما الجياد الخيل السوابق واذا جرت كانت سراعا خفافا فى جريها ـ روى ـ ان سليمان عليه السلام غزا اهل دمشق ونصيبين وهى قاعدة ديار ربيعة فاصاب الف فرس عربى او اصابها ابوه من العمالقة فورثها منه وهذا على تقدير عدم بقاء قوله عليه السلام
"نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة" على عمومه او يحمل على الاستعارة بعلاقة المشابهة فى ثبوت ولاية التصرف فان لسليمان حق التصرف فيما تركه ابوه فى بيت المال كالدروع ونحوها كما كان للخلفاء حق التصرف فيما تركه نبينا عليه السلام ولذا منع ابو بكر رضى الله عنه فاطمة رضى الله عنها عن الميراث حين طلبته وذلك ان ما تركه عليه السلام من صفايا اموال النفير وفدك كان مصروفا الى نفقة نسائه كما فى حياته لكونهن محبوسات عليه الى وفاتهن وايضا الى نفقة خليفته لكونه خادما له قائما مقامه وما فضل من ذلك كان يصرف الى مصالح المسلمين فلم يبق له بعد وفاته ما يكون ميراثا لاهل بيته [وكفته اند اسبان دريايى بودند وبر داشتند وديوان. براى سليمان از بحر بر آوردند] وسيجىء ما يؤيده وعلى كل تقدير قعد سليمان يوما بعدما صلى الظهر على كرسيه وكان يريد جهادا فاستعرض تلك الافراس اى طلب عرضها عليه فلم تزل تعرض عليه وهو ينظر اليها ويتعجب من حسنها حتى غربت الشمس وغفل عن العصر وكانت فرضا عليه كما فى كشف الاسرار وعن ورد كان له من الذكر وقتئذ وتهيبه قومه فلم يعلموه فاغتم لما فاته بسبب السهو والنسيان فاستردها فعقرها تقربا الى الله وطلبا لمرضاته على ان يكون العقر قربة فى تلك الشريعة ولذا لم ينكر عليه فعله او مباحا فى ذلك اليوم وانما اراد بذلك الاستهانة بمال الدنيا لمكان فريضة الله كما قاله ابو الليث فلم يكن من قبيل تعذيب الحيوان.
يقول الفقير سر العقر ههنا هو ان تلك الخيل لما شغلته عن القيام الى الصلاة كان العقد كفارة موافقة له.
وقال بعضهم المراد من العقر الذبح فيكون تقديم السوق كما يأتى لرعاية الفاصلة فذبحها وتصدق بلحومها وكان لحم الخيل حلالا فى ذلك الوقت وانما لم يتصدق بها لانه يحتاج الى زمان ووجدان محل صالح له. والحاصل انه ذبح تسعمائة وبقى مائة وهو ما لم يعرض عليه بعد فما فى ايدى الناس من الجياد فمن نسل تلك المائة الباقية كذا.
قالوا وفيه ان هذا يؤيد كون تلك الخيل قد اخرجت من البحر اذ لو كانت من غنائم الغزو لم يلزم ان يكون نسل الجياد من تلك المائة لوجود غيرها فى الدنيا وايضا على تقدير كونها ميراثا من ابيه بالمعنى الثانى كما سبق تكون امانة فى يده والامانة لا تعقر ولا تذبح كما لا يخفى