التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
٣٠
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ومن يفعل ذلك } اى القتل او اياه وسائر المحرمات المذكورة فيما قبل { عدوانا وظلما } افراطا فى التجاوز عن الحد واتيانا بما لا يستحقه وقيل اريد بالعدوان التعدى على الغير وبالظلم الظلم على النفس لتعريضها للعقاب ومحلهما النصب على الحالية اى متعديا وظالما { فسوف نصليه } اى ندخله { نارا } اى نارا مخصوصة هائلة شديدة العذاب { وكان ذلك } اى اصلاء النار { على الله يسيرا } لتحقق الداعى وعدم الصارف.
قال الامام واعلم ان الممكنات بالنسبة الى قدرة الله على السوية وحينئذ يمتنع ان يقال ان بعض الافعال ايسر عليه من بعض بل هذا الخطاب نزل على القول المتعارف بيننا او يكون معناه المبالغة فى التهديد وهو ان احدا لا يقدر على الهرب منه ولا على الامتناع عليه.
فعلى العاقل ان يتجنب عن الوقوع فى المهالك ويبالغ فى حفظ الحقوق وقد جمع الله فى التوصية بين حفظ النفس وحفظ المال لانه شقيقها من حيث انه سبب لقوامها وتحصيل كمالاتها واستيفاء فضائلها ولذلك قيل

توانكرانرا وقفست وبذل ومهانى زكاة وفطره واعتاق وهدى وقربانى
توكى بدولت ايشان رسى كه نتوانى جزاين دور كعت وآن هم بصدبر بريشانى

فان وفقت للمال فاشكر له والا فلا تتعب نفسك ولا تقتلها كما يفعله بعض من يفتقر بعد الغنى لغاية المه واضطرابه من الفقر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل نفسه بشىء فى الدنيا عذب به يوم القيامة"
.وقال صلى الله عليه وسلم "كان فيمن قبلكم جرح برجل ارابه فجزع منه فاخرج سكينا فجز بها يده فمارقأ الدم حتى مات فقال الله تعالى بارزنى عبدى بنفسه فحرمت عليه الجنة"
.كذا فى تفسير البغوى.
وكذلك حكم من قتل نفسه لفقر او لغير ذلك من الاسباب.
واعلم ان اكل المال بالباطل مما يفسد دين الرجل ودنياه بل يضر بنفسه ويكون سببا لهلاكه فان بعض الاعمال يظهر اثره فى الدنيا ـ روى ـ ان رجلا ظالما غصب سمكة من فقير فطبخها فلما اراد اكلها عضت يده فاشار اليه الطبيب بالقطع فلم يزل يقطع من كل مفصل حتى وصل الى الابط فجاء الى ظل شجرة فاخذت عيناه فقيل له لا تتخلص من هذا الا بارضاء صابحها المظلوم فلما ارضاه سكن وجعه ثم انه تاب واقلع عما فعل فرد الله اليه يده فاوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام [وعزتى لولا انه ارضى المظلوم لعذبته طول حياته].
قال العلماء حرمة مال المسلم كحرمة دمه قال عليه السلام
"كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله" .
وقال عليه السلام "لا يحل مال امرىء مسلم الا بطيبة نفس منه"
.فالظلم حرام شرعا وعقلا: قال الجامى قدس سره

هزار كونه خصومت كنى بخلق جهان زبس كه در هوس سيم وآرزوى زرى
تراست دوست زروسيم خصم صاحب آن كه كيرى ز كفش آنرا بظلم وحيله كرى
نه مقتضاى خرد باشد ونتيجه عقل كه دوست را بكذارى وخصم را ببرى

فعلى السالك ان يجتنب عن الحرام ويأكل من الحلال الطيب ولبعض الكبار دقة عظيمة واهتمام تام فى هذا الباب ـ حكى ـ ان بعض الملوك ارسل الى الشيخ ركن الدين علاء الدولة غزالا وقال انها حلال فقال الشيخ كنت بمشهد طوس فجاء الى بعض الامراء بارنب قال كل منها فانى رميتها بيدى فقلت الارنب حرام على قول الامام جعفر الصادق رضى الله عنه.
قال فى حياة الحيوان يحل أكل الارنب عند العلماء كافة الا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن ابى ليلى انهما كرها اكلها ثم انه جاء يوم بغزال فقال كل منها فانى رميتها بسهم عملته بيدى على فرس ورثتها عن ابى فقلت خطر ببالى ان واحدا من الامراء جاء الى مولانا الجمال باوزتين وقال كل منهما فانى قد اخذتهما ببازى فقال مولانا ليس الكلام فى الاوزتين وانما الكلام فى قوت البازى من دجاجة أية عجوز اكل حتى قوى للاصطياد فالغزال التى رميتها على فرسك وان كانت من الصيد لكن قوت الفرس من شعير أى مظلوم حصل فلم يأكل منها ـ حكى ـ ان خياطا قال لبعض الكبار هل اكون معينا للظلمة بخياطة ثيابهم فقال ليس الكلام فيك وانما الكلام فى الحداد الذى يعمل الابرة.
والحاصل ان لا بد من الاهتمام فى طلب الحلال وان كان فى زماننا هذا نادرا والوصول اليه عزيزا: قال الجامى قدس سره

خواهى كه شوى حلال روزى همخانه مكن عيال بسيار
دانى كه درين سراجه تنك حاصل نشود حلال بسيار

رزقنا الله وايكم من فضله انه الجواد.