التفاسير

< >
عرض

مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
٤٦
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ من الذين هادوا } خبر مبتدأ محذوف اى من الذين هادوا قوم { يحرفون الكلم عن مواضعه } الكلم اسم جنس ولذا ذكر الضمير فى مواضع وجمع المواضع لتكرره فى التوراة فى مواضع بحسب الجنس اى يزيلون لانهم لما غيروه ووضعوا مكانه غيره فقد ازالوه عن مواضعه التى وضعه الله فيها وامالوه عنها. والتحريف نوعان. احدهما صرف الكلام الى غير المراد بضرب من التأويل الباطل كما يفعل اهل البدعة فى زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم. والثانى تبديل الكلمة باخرى وكانوا يفعلون ذلك نحو تحريفهم فى نعت النبى صلى الله عليه وسلم اسمر ربعة عن موضعه فى التوراة بوضعهم آدم طوال مكانه ونحو تحريفهم الرجم بوضعهم الحد بدله { ويقولون } فى كل امر مخالف لاهوائهم الفاسدة سواء كان بمحضر النبى عليه السلام ام لا بلسان المقال والحال { سمعنا } قولك { وعصينا } امرك عنادا وتحقيقا للمخالفة { واسمع } اى قولنا { غير مسمع } حال من المخاطب وهو كلام ذو وجهين. احدهما المدح بان يحمل على معنى اسمع غير مسمع مكروها. والثانى الذم بان يحمل على معنى اسمع حال كونك غير مسمع كلاما اصلا بصمم او موت اى مدعوا عليك بلا سمعت لانه لو اجيبت دعوتهم عليه لم يسمع فكان اصم غير مسمع فكأنهم قالوا ذلك تمنيا لاجابة دعوتهم عليه كانوا يخاطبون به النبى عليه السلام مظهرين له ارادة المعنى الاول وهم مضمرون فى انفسهم المعنى الاخير مطمئنون به { وراعنا } كلمة ذات جهتين ايضا. محتملة للخير بحملها على معنى ارقبنا وانتظرنا واصرف سمعك الى كلامنا نكلمك. وللشر بحملها على السب بالرعونة اى الحمق او باجرائها مجرى شبهها من كلمة عبرانية او سريانية كانوا يتسابون بها وهى راعنا كانوا يخاطبون به النبى صلى الله عليه وسلم ينوون الشتيمة والاهانة ويظهرون التوقير والاحترام.
فان قلت كيف جاؤا بالقول المحتمل ذى الوجهين بعد ما صرحوا وقالوا سمعنا وعصينا قلت جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء حشمة منه عليه السلام وخوفا من بطش المؤمنين { ليا بألسنتهم } انتصابه على العلية اى يقولون ذلك للفتل بها ولصرف الكلام عن نهجه الى نسبة السب حيث وضعوا غير مسمع موضع لا استمعت مكروها واجروا راعنا المشابهة لراعينا مجرى انظرنا او فتلا بها وضما لما يظهرون من الدعاء والتوقير الى ما يضمرون من السب والتحقير { وطعنا فى الدين } اى قدحا فيه بالاستهزاء والسخرية { ولو انهم } عندما سمعوا شيئاً من اوامر الله ونواهيه { قالوا } بلسان المقال او بلسان الحال مكان قولهم سمعنا وعصينا { سمعنا واطعنا } وبدل قولهم واسمع غير مسمع { واسمع } ولا يلحقون به غير مسمع وبدل قولهم راعنا { وانظرنا } ولم يدسوا تحت كلامهم شرا وفسادا اى لو ثبت انهم قالوا هذا مكان ما قالوا من الاقوال { لكان } قولهم ذلك { خيرا لهم } مما قالوا { واقوم } اى اعدل واسد فى نفسه واصوب من القيم اى المستقيم قالوا لما لم يكن فى الذى اختاروه خيرا اصلا لم جعل هذا خيرا من ذلك وجوابه انه كذلك على زعمهم فخوطبوا على ذلك وهو كقوله
{ { الله خير أَمَّا يشركون } [النمل: 59].
{ ولكن لعنهم الله بكفرهم } اى ولكن قالوا ذلك واستمروا على كفرهم فخذلهم الله وابعدهم عن الهدى بسبب كفرهم بذلك { فلا يؤمنون } بعد ذلك { الا قليلا } استثناء من ضمير المفعول فى لعنهم اى ولكن لعنهم الله الا فريقا قليلا فانه تعالى لم يلعنهم فلم ينسد عليهم باب الايمان وقد آمن بعد ذلك فريق من الاحبار كعبد الله بن سلام وكعب واضرابهما وهو استثناء من ضمير لا يؤمنون اى لا يؤمنون الا ايمانا قليلا وهو ايمانهم بموسى وكفرهم بمحمد عليهما السلام.
والاشارة ان العلماء السوء من هذه الامة { يحرفون الكلم عن مواضعه } بالفعال لا بالمقال كما كان اهل الكتاب يحرفونه بالمقال { ويقولون سمعنا } بالمقال فيما امر الله به من ترك الدنيا وزينتها واتباع الهوى ومن ايثار الآخرة على الاولى والانقطاع عن الخلق فى طلب المولى { وعصينا } بالفعال اذ لا يشمون روائح هذه المعاملات ولا يدورون حول هذه المقامات وينكرون على اهل هذه الكرامات ويستهزؤن بانواع المقالات فلا يؤمنون بالقلوب السليمة الا قليلا منها بان يكفروا بهوى نفوسهم ويؤمنوا بالايمان الحقيقى الذى هو من نتائج الارادة والصدق فى طلب الحق والاخلاص فى العمل لله وترك الدنيا وزخارفها بل بذل الوجود فى طلب المعبود: قال العطار قدس سره

مشو مغرور اين نطق مزور بنادانى مكن خودرا توسرور
اكر علم همه عالم بخوانى جوبى عشقى ازوحر وفى ندانى

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من تعلم علما لا يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه الا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة" اى ريحها.
قال الشيخ الشاذلى العلم النافع هو الذى يستعان به على طاعة الله ويلزمك المخافة من الله والوقوف على حدود الله وهو علم المعرفة بالله.
قال الشيخ ابو الحسن رضى الله عنه العلوم كالدنانير والدراهم ان شاء نفعك بها وان شاء اضرك معها والعلم ان قارنته الخشية فلك اجره وثوابه وحصول النفع به والا فعليك وزره وعقابه وقيام الحجة به وعلامة خشية الله ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان: قال الشيخ السعدى قدس سره

دعوى كنى كه بر ترم از ديكران بعلم جون كبر كردى ازهمه دونان فروترى
شاخ درخت علم ندانم بجز عمل تاعلم باعمل نكنى شاخ بى برى
علم آدميتست وجوانمردى وادب ورنه بدى بصورت انسان برابرى
ترك هواست كشتىء درياى معرفت عارف بذات شونه بدين قلندرى
هر علم راكه كار نه بندى جه فائده جشم از براى آن بود آخركه بنكرى