التفاسير

< >
عرض

أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً
٧٨
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ أينما تكونوا يدرككم الموت } المقدر بالاجل او العذاب وفى لفظ الادراك اشعار بانهم فى الهرب منه وهو مجد فى طلبهم وهو كلام مبتدأ لا محل له من الاعراب { ولو كنتم فى بروج مشيدة } اى وان كنتم فى قصور عالية الى السماء محكمة بالشيد وهو الجص لا يصعد اليها بنو آدم.
قال مجاهد فى هذه الآية كان فيمن قبلكم امرأة وكان لها اجير فولدت جارية فقالت لاجيرها اقتبس لنا نارا فخرج فوجد بالباب رجلا فقال له الرجل ما ولدت هذه المرأة قال جارية قال اما هذه الجارية لا تموت حتى تزنى بمائة ويتزوجها اجيرها ويكون موتها بالعنكبوت فقال الاجير فى نفسه فانا اريد هذه بعد ان تفجر بمائة لاقتلنها فاخذ شفرة فدخل فشق بطن الصغيرة وخرج على وجهه وركب البحر وخيط بطن الصبية فعولجت وبرئت وشبت فكانت تزنى فاتت ساحلا من ساحل البحر فاقامت عليه تزنى ولبث الرجل ما شاء الله ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير فقال لامرأة من اهل الساحل اطلعى لى امرأة من اجمل النساء اتزوجها فقالت ههنا امرأة من اجمل النساء ولكنها تفجر فقال ائتينى بها فاتتها فقالت قد قدم رجل له مال كثير وقال لى كذا وكذا فقالت انى تركت الفجور ولكن ان اراد ان يتزوجنى تزوجته قال فتزوجها فوقعت منه موقعا فبينما هو يوما عندها اذا اخبرها بامره فقالت انا تلك الجارية وارته الشق فى بطنها وقد كنت افجر فما ادرى بمائة او اقل او اكثر فقال زوجها فى نفسه ان الرجل الذى كان خارج الباب قال يكون موتها بالعنكبوت ثم اخبرها بذلك قال فبنى لها برجا فى الصحراء وشيده فبينما هى يوما فى ذلك البرج اذا عنكبوت فى السقف فقالت هذا يقتلنى لاقتلنه اذ لا يقتله احد غيرى فحركته فسقط فاتته فوضعت ابهام رجلها عليه فشدخته فساح سمه بين ظفرها واللحم فاسودت رجلها فماتت وفى ذلك نزلت هذه الآية { اينما تكونوا يدرككم الموت } واجمعت الامة على ان الموت ليس له سن معلوم ولا اجل معلوم ولا مرض معلوم وذلك ليكون المرء على اهبة من ذلك مستعدا لذلك قال عليه السلام
"اكثروا ذكر هاذم اللذات"
.يعنى الموت وهو كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وابلغ فى الموعظة فان من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه اللذة الحاضرة ومنعه من تمنيها فى المستقبل وزهده فيما كان منها يؤمل ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج الى تطويل الوعاظ وتزويق الالفاظ والا ففى قوله عليه السلام "اكثروا ذكر هاذم اللذات"
.مع قوله تعالى { { كل نفس ذائقة الموت } [العنكبوت: 57].
ما يكفى السامع ويشغل الناظر فيه: قال الحافظ قدس سره

سبهر برشده برويزنست خون افشان كه ريزه اش سركسرى وتاج برويزست

قال السعدى قدس سره

جهان اى بسر ملك جاويد نيست زدنيا وفادارى اميد نيست
نه برباد رفتى سحركاه وشام سرير سليمان عليه السلام
بآخر نديدى كه برباد رفت خنك آنكه بادانش وداررفت

والاشارة فى الآية ان يا اهل البطاله فى زى الطلبة الذين غلب عليكم الهوى وحبب اليكم الدنيا فاقعدكم عن طلب المولى ثم رضيتم بالحياة الدنيا واطمأننتم بها { أينما تكونوا يدرككم الموت } اضطرارا ان لم تموتوا قبل ان تموتوا اختيارا { ولو كنتم فى بروج مشيدة } اى اجساد مجسمة قوية امزجتها اوصلنا الله واياكم الى حقيقة الفناء والبقاء آمين { وان تصبهم حسنة } اى نعمة كخصب { يقولوا هذه من عند الله } نسبوها الى الله { وان تصبهم سيئة } بلية كقحط { يقولوا هذه من عندك } اضافوها اليك يا محمد وقالوا ان هى الا بشؤمك كما قالت اليهود منذ دخل محمد المدينة نقضت ثمارها وغلت اسعارها { قل كل } من الحسنة والسيئة { من عند الله } يبسط ويقبض حسب ارادته { فمال هؤلاء القوم } اى أى شىء حصل لليهود والمنافقين من العلل حال كونهم { لا يكادون يفقهون حديثا } اى لا يقربون من فهم حديث عن الله تعالى كالبهائم ولو فهموا لعلموا ان الكل من عند الله والفقه هو الفهم ثم اختص من جهة العرف بعلم الفتوى.