التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً
٩٥
-النساء

روح البيان في تفسير القرآن

{ لا يستوى القاعدون } عن الجهاد { من المؤمنين } حال من القاعدين اى كائنين من المؤمنين وفائدتها الايذان من اول الامر بعدم اخلال وصف القعود بايمانهم والاشعار بعلة استحقاقهم كما سيأتى من الحسنى { غير اولى الضرر } بالرفع صفة للقاعدون.
فان قلت كلمة غير لا تتعرف بالاضافة فكيف جاز كونها صفة للمعرفة. قلت اللام فى القاعدون للعهد الذهنى فهو جار مجرى النكرة حيث لم يقصد به قوم باعيانهم والا ظهر انه بدل من القاعدون. والضرر المرض والعاهة من عمى او عرج او شلل او زمانة او نحوها وفى معناه العجز عن الاهبة.
"عن زيد بن ثابت رضى الله عنه انه قال كنت الى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذى حتى خشيت ان ترضها اى تكسرها ثم سرى عنه وازيل ما عرض له من شدة الوحى فقال اكتب فكتبت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فقال ابن ام مكتوم وكان اعمى يا رسول الله وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فغشيته السكينة كذلك ثم سرى عنه فقال اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر قال زيد انزلها الله وحدها فالحقتها" فالمراد بالقاعدين هم الاصحاء الذين اذن لهم فى القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم لان الغزو فرض كفاية قال ابن عباس رضى الله عنهما هم القاعدون عن بدر والخارجون اليها وهو الظاهر الموافق لتاريخ النزول { والمجاهدون } عطف على القاعدون { فى سبيل الله باموالهم وانفسهم } اى لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة فى الاجر والثواب.
فان قلت معلوم ان القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان فما فائدة نفى الاستواء. قلت فائدته تذكير ما بينهما من التفاوت العظيم ليرغب القاعد فى الجهاد رفعا لرتبته وانفة عن انحطاط منزلته { فضل الله المجاهدين باموالهم وانفسهم } جملة موضحة لما نفى الاستواء فيه فان انتفاء الاستواء بينهما يحتمل ان يكون بزيادة درجة احدهما على درجة الآخر وبنقصانها فبين الله تعالى بهذه الجملة ان انتفاء استوائهما انما هو بانه تعالى فضل المجاهدين كأنه قيل ما لهم لا يستوون فاجيب بذلك { على القاعدين } غير اولى الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الاولى المتضمنة لهذا الوصف { درجة } تنوينها للتفخيم كما سيأتى ونصبها بنزع الخافض اى بدرجة او على المصدرية لانه لتضمنه معنى التفضيل ووقوعه موقع المرة من التفضيل كان بمنزلة ان يقال فضلهم تفضيلة واحدة ونظيره قولك ضربه سوطا بمعنى ضربه ضربة { وكلا } من القاعدين والمجاهدين { وعد الله الحسنى } اى المثوبة الحسنى وهى الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم وانما التفاوت فى زيادة العمل المقتضى لمزيد الثواب. قوله كلا مفعول اول لوعد والحسنى مفعوله الثانى وتقديم الاول على الفعل لافادة القصر تأكيدا للوعد اى كلا منهما وعد الله الحسنى لا احدهما فقط والجملة اعتراض جيئ بها تداركا لما عسى يوهمه تفضيل احد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول.
قال الفقهاء وهذا يدل على ان الجهاد فرض كفاية وليس مفروضا على كل احد بعينه لانه تعالى وعد القاعدين عنه الحسنى كما وعد المجاهدين ولو كان الجهاد واجبا على كل احد على التعيين لما كان القاعد اهلا لوعد الله تعالى اياه بالحسنى { وفضل الله المجاهدين على القاعدين } عطف على قوله فضل الله { اجرا عظيما } نصب على المصدر لان فضل بمعنى آجر اى آجرهم اجرا عظيما وايثاره على ما هو مصدر من فعله للاشعار بكون ذلك التفضيل اجرا لاعمالهم او مفعول ثان لفضل لتضمنه معنى الاعطاء اى واعطاهم زيادة على القاعدين اجرا عظيما. وقيل نصب بنزع الخافض اى فضلهم باجر عظيم.