التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ
٢٨
-غافر

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقال رجل } جون خبر قتل موسى فاش شد و دستان اندوهكير و دشمنان شادمان كشتند.
ولكن لما استعاذ موسى عليه السلام بالله واعتمد على فضله ورحمته فلا جرم صانه الله من كل بلية واوصله الى كل امنية وقيض له انسانا اجنبيا حتى ذب عنه باحسن الوجوه فى تسكين تلك الفتنة كما حكى الله عنه بقوله وقال رجل { مؤمن } كائن { من آل فرعون } فهو صفة ثانية لرجل وقوله يكتم ايمانه صفة ثالثة قدم الاول اعنى مؤمن لكون اشرف الاوصاف ثم الثانى لئلا يتوهم خلاف المقصود وذلك لأنه لو اخر عن يكتم ايمانه لتوهم أن من صلته فلم يفهم أن ذلك الرجل كان من آل فرعون وآل الرجل خاصته الذين يؤول اليه امرهم للقرابة او الصحبة او الموافقة فى الدين وكان ذلك الرجل المؤمن من اقارب فرعون اى ابن عمه وهو منذر موسى بقوله ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك كما سبق فى سورة القصص واسمه شمعان بالشين المعجمة وهو اصح ما قيل فيه قاله الامام السهيلى وفى تاريخ الطبرى اسمه جبر وقيل حبيب النجار وهو الذى عمل تابوت موسى حين ارادت امه ان تلقيه فى اليم وهو غير حبيب النجار صاحب يس وقيل خربيل بن نوحائيل او حزقيل ويدل عليه قوله عليه السلام
"سباق الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب يس وعلى بن ابى طالب كرم الله وجهه وهو رضى الله عنه افضلهم" كما فى انسان العيون نقلا عن العرآئس وقال ابن الشيخ فى حواشيه روى عن النبى عليه السلام أنه قال "الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل يس ومؤمن آل فرعون الذى قال اتقتلون رجلا ان يقول ربى الله والثالث ابو بكر الصديق وهو افضلهم" انتهى. يقول الفقير يمكن ان يقال لا مخالفة بين هاتين الروايتين لما أن المراد تفضيل ابى بكر فى الصديقية وتفضيل على فى السبق وعدم صدور الكفر عنه ولو لحظة فافضلية كل منهما من جهة اخرى ثم أن الروايتين دلتا على كون ذلك الرجل قبطيا وايضا أن فرعون اصغى الى كلامه واستمع منه ولو كان اسرآئيليا لكان عدوا له فلم يكن ليصغى اليه قال فى التكملة فان قلت الآل قد يكون فى غير القرابة بدليل قوله تعالى { { ادخلوا آل فرعون اشد العذاب } ولم يرد الاكل من كان على دينه من ذوى قرابته وغيرهم فالجواب أن هذا الرجل لم يكن من اهل دين فرعون وانما كان مؤمنا فاذا لم يكن من اهل دينه فلم يبق لوصفه بأنه من آله الا ان يكون من عشيرته انتهى وقيل كان اسرآئيليا ابن عم قارون او أبوه من آل فرعون وامه من بنى اسرائيل فيكون من آل فرعون صلة يكتم وفيه انه لا مقتضى هنا لتقديم المتعلق وايضا أن فرعون كان يعلم ايمان بنى اسرائيل ألا ترى الى قوله ابناء الذين آمنوا معه فكيف يمكنهم ان يفعلوا كذلك مع فرعون وقيل كان عربيا موحدا ينافقهم لأجل المصلحة { يكتم إيمانه } اى يستره ويخفيه من فرعون وملئه لا خوفا بل ليكون كلامه بمحل من القبول وكان قد آمن بعد مجيىء موسى او قبله بمائة سنة وكتمه فلما بلغه خبر قصد فرعون بموسى قال { اتقتلون رجلا } اتقصدون قتله ظلما بلا دليل والاستفهام انكارى { ان يقول } اى لأن يقول او كراهة ان يقول { ربى الله } وحده لا شريك له والحصر مستفاد من تعريف طرفى الجملة مثل صديقى زيد لا غير { وقد جاءكم بالبينات } اى والحال أنه قد جاءكم بالمعجزات الظاهرة التى شاهدتموها { من ربكم } لم يقل من ربه لأنهم اذا سمعوا أنه جاءهم بالبينات من ربهم دعاهم ذلك الى التأمل فى امره والاعتراف به وترك المكابرة معه لأن ما كان من قبل رب الجميع يجب اتباعه وانصاف مبلغه وعن عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمر رضى الله عنهما حدثنى باشد شىء صنعه المشركون برسول الله عليه السلام قال اقبل عقبة بن ابى معيط ورسول الله يصلى عند الكعبة او لقيه فى الطواف فأخذ بمجامع ردآئه عليه السلام فلوى ثوبه على عنقه وخنقه خنقا شديدا وقال له انت الذى تنهانا عما يعبد آباؤنا فقال عليه السلام "انا ذاك" فاقبل ابو بكر رضى الله عنه فأخذ بمنكبيه عليه السلام والتزمه من ورآئه ودفعه عن رسول الله وقال اتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم رافعا صوته وعيناه تسفحان دمعا اى تجريان حتى ارسلوه وفيه بيان أن ما تولى ابو بكر من رسول الله كان اشد مما تولاه الرجل المؤمن من موسى لأنه كان يظهر ايمانه وكان بمجمع طغاة قريش وحكى ابن عطية فى تفسيره عن ابيه أنه سمع ابا الفضل ابن الجوهرى على المنبر يقول وقد سئل ان يتكلم فى شىء من فضائل الصحابة رضى الله عنهم فاطرق قليلا ثم رفع رأسه فقال

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى

ماذا ترون من قوم قرنهم الله تعالى بنبيه وخصهم بمشاهدته وتلقى الروح وقد اثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم ايمانه واسره فجعله فى كتابه واثبت ذكره فى المصاحف لكلام قاله فى مجلس من مجالس الكفر واين هو من عمر بن الخطاب رضى الله عنه اذ جرد سيفه بمكة وقال والله لا اعبد الله سرا بعد اليوم فكان ما كان من ظهور الدين بسيفه ثم اخذهم الرجل المؤمن بالاحتجاج من باب الاحتياط بايراده فى صورة الاحتمال من الظن بعد القطع بكون قتله منكرا فقال { وان يك كاذباً فعليه كذبه } لا يتخطاه وبال كذبه وضرره فيحتاج فى دفعه الى قتله يعنى أن الكاذب انما يقتل اذا تعدى ضرر كذبه الى غيره كالزنديق الذى يدعو الناس والمبتدع الذى يدعو الناس الى بدعته وهذا لا يقدر على ان يحمل الناس على قبول ما اظهره من الدين لكون طباع الناس آبية عن قبوله ولقدرتكم على منعه من اظهار مقالته ودينه { وان يك صادقا } فى قوله فكذبتموه وقصدتم له بسوء { يصبكم بعض الذى يعدكم } اى ان لم يصبكم كله فلا اقل من اصابة بعضه وفى بعض ذلك كفاية لهلاكهم فذكر البعض ليوجب الكل لا أن البعض هو الكل وهذا كلام صادر عن غاية الانصاف وعدم التعصب ولذلك قدم من شقى الترديد كونه كاذبا وصرح باصابة البعض دون الجميع مع أن الرسول صادق فى جميع ما يقوله وانما الذى يصيب بعض ما يعده دون بعض هم الكهان والمنجمون ويجوز ان يكون المعنى يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض ما يعدهم لأنه كان يتوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة كأنه خوفهم بما هو ظهر احتمالا عندهم وفى عين المعانى لأنه وعد النجاة بالايمان والهلاك بالكفر وقد يكون البعض بمعنى الكل كما فى قوله

قد يدرك المتأنى بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل

وقوله تعالى { { ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه } اى جميعه وفى قوله تعالى { { يريد الله ان يصيبكم ببعض ذنوبكم } اى بكلها كما فى كشف الاسرار وقال ابو الليث بعض هنا صلة يريد يصبكم الذى يعدكم { ان الله لا يهدى من هو مسرف } وهو الذى يتجاوز الحد فى المعصية او هو السفاك للدم بغير حق { كذاب } وهو الذى يكذب مرة بعد اخرى وقيل كذاب على الله لان الكذب عليه ليس كالكذب على غيره وهو احتجاج آخر ذو وجهين احدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى الى البينات ولما ايده بتلك المعجزات وثانيهما انه ان كان كذلك خذله الله واهلكه فلا حاجة لكم الى قتله ولعله اراهم وهو عاكف على المعنى الاول لتلين شكيمتهم وقد عرض به لفرعون لأنه مسرف حيث قتل الابناء بلا جرم كذاب حيث ادعى الالوية لا يهديه الله سبيل الصواب ومنهاج النجاة بل يفضحه ويهدم امره