التفاسير

< >
عرض

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ
١٦
-فصلت

روح البيان في تفسير القرآن

{ فارسلنا عليهم ريحا صرصرا } لتقلعهم من اصولهم اى باردة تهلك وتحرق بشدة بردها كاحراق النار بحرها من الصر وهو البرد الذى يصر اى يجمع ويقبض اى ريحا عاصفة تصر صر أى تصوت فى هبوبها من الصرير وبالفارسية بادصرصربآ وازمهيب.
قيل انها الدبور مقابل القبول اى الصبا التى تهب من مطلع الشمس فيكون الدبور ما تهب من مغربها والصرصر تكرير لبناء الصر قال الراغب الصر الشد والصرة ما يعقد فيه الدراهم والصرصر لفظه من الصر وذلك يرجع الى الشد لما فى البرودة من التعقيد اذ هى من الفعليات لأنها كشيفة من شأنها تفريق المتشاكلات وجمع المختلفات { فى ايام نحسات } جمع نحسة من نحس نحسا نقيص سعد سعدا كلاهما على وزن علم والنحسان زحل والمريخ وكذا آخر شباط وآخر شوال ايضا من الاربعاء الى الاربعاء وذلك سبع ليال وثمانية ايام يعنى كانت الريح من صبيحة الاربعاء لثمان بقين من شوال الى غروب الاربعاء الآخر وهو آخر الشهر ويقال لها ايام الحسوم وسيأتى تفصيلها فى سورة الحاقة وما عذب قوم الا فى يوم الاربعاء وقال الضحاك امسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ودامت الرياح عليهم من غير مطر وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه اذا اراد الله بقوم خيرا ارسل عليهم المطر وحبس عنهم كثرة الرياح واذا اراد بقوم شرا حبس عنهم المطر وسلط عليهم كثرة الرياح والمعنى فى ايام منحوسات مشئومات ليس فيها شىء من الخير فنحوستها أن الله تعالى ادام تلك الرياح فيها على وتيرة وحالة واحدة بلا فتور واهلك القوم بها لا كما يزعم المنجمون من أن بعض الايام قد يكون فى حد ذاته نحسا وبعضها سعدا استدلالا بهذه الآية لأن اجزآء الزمان متساوية فى حد ذاتها ولا تمايز بينها الا بحسب تمايز ما وقع فيها من الطاعات والمعاصى فيوم الجمعة سعد بالنسبة الى المطيع نحس بالنسبة الى العاصى وان كان سعدا فى حد نفسه قال رجل عند الاصمعى فسد الزمان فقال الاصمعى

ان الجديدين فى طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناس

وقيل

نذم زماننا والعيب فينا ولو نطق الزمان اذا هجانا

وقال الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره الملابس اذا فصلت وخيطت فى وقت رديىء اتصل بها خواص رديئة انتهى.
يقول الفقير لعله اراد عروض الردآءة لها بسبب من الاسباب كيوم الاربعاء بما وقع فيه من العذاب لا أن الله خلقه رديئا فلا تنافى بين كلامه وبين ما سبق والظاهر أن الله تعالى خلق اجزآء الزمان والمكان على تفاوت وكذا سائر الموجودات كما لا يخفى { لنذيقهم } بالريح العقيم { عذاب الخزى فى الحيوة الدنيا } اضافة العذاب الى الخزى من قبيل اضافة الموصوف الى الصفة على طريق التوصيف بالمصدر للمبالغة اى العذاب الخزى اى الذليل المهان على ان الذليل المهان فى الحقيقة اهل العذاب لا العذاب نفسه { ولعذاب الآخرة } وهر آينه عذاب آن سرىا { اخزى } اى اذل وازيد خزيا من عذاب الدنيا وبالفارسية سختراست ازروى رسوايى.
وهو فى الحقيقة ايضا وصف للمعذب وقد وصف به العذاب على الاستاد المجازى لحصول الخزى بسببه { وهم لا ينصرون } بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه لا فى الدنيا ولا فى الآخرة لأنهم لم ينصروا الله ودينه واما المؤمنون فانهم وان كانوا ضعفاء فقد نصرهم الله لأنهم نصروا الله ودينه فعجبا من القوة فى جانب الضعف وعجبا من الضعف فى جانب القوة وفى الحديث
"انكم تنصرون بضعفائكم" اى الضعفاء الداعين لكم بالنصرة وقال خالد بن برمك اتقوا مجانيق الضعفاء اى دعواتهم.
يقول الفقير انما عذبت عاد بريح صرصر لأنهم اغتروا بطول قاماتهم وعظم اجسادهم وزيادة قوتهم فظنوا أن الجسم اذا كان فى القوة والثقل بهذه المرتبة فهو يثبت فى مكانه ويستمسك ولا يزيله عن مقره شىء من البلاء فسلط الله عليهم الريح فكانت اجسامهم كريشة فى الهوآء وكان عليه السلام يجثو على ركبتيه عند هبوب الرياح ويقول
"اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها لنا رياحا" اى رحمة "ولا تجعلها ريحا" اى عذابا واراد به أن اكثر ما ورد فى القرءآن من الريح بلفظ المفرد فهو عذاب نحو فارسلنا عليهم ريحا صرصرا وارسلنا عليهم الريح العقيم وان جاء فى الرحمة ايضا نحو وجرين بهم بريح طيبة وكل ما جاء بلفظ الجمع على الرياح فهو رحمة لا غير ويقول عليه السلام اى عند هبوب الرياح وعند سماع الصوت والرعد والصواعق ايضا "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك" وفى الحديث "لا تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما امرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما امرت به" (كما فى المصابيح) ريح صرصر باد نفس ازدهاست. قلب ازودر اضطراب ومكرهاست. هركه بابرجا شود درعهد دين. بايدارش ميكند حق جون زمين