التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
١
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود } الوفاء هو القيام بمقتضى العهد وكذلك الايفاء يقال وفى بالعهد وفاء واوفى به ايفاء اذا اتى ما عهد به ولم يغدر والنقل الى باب افعل لا يفيد سوى المبالغة والعقد هو العهد الموثق المشبه بعقد الحبل ونحوه والمراد بالعقود ما يعم جميع ما الزمه الله تعالى عباده وعقده عليهم من التكاليف والاحكام الدينية وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الامانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به او يحسن دينا ان حملنا الامر على معنى يعم الوجوب والندب. واحتج ابو حنيفةرحمه الله بهذه الآية على ان من نذر صوم يوم العيد او ذبح الولد يجب عليه ان يصوم يوما يحل فيه الصوم ويذبح ما يحل ان يتقرب بذبحه لانه عهد والزم نفسه ذلك فوجب عليه الوفاء بما صح الوفاء به. واحتج بها ايضا على حرمة الجمع بين الطلقات لان النكاح من العقود فوجب ان يحرم رفعه لقوله تعالى { اوفوا بالعقود } وقد ترك العمل بعمومه فى حق الطلقة الواحدة بالاجماع فبقى فيما عداها على الاصل وفى الحديث "ما ظهر الغلول فى قوم الا القى الله فى قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى فى قوم الا كثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق الا فشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد الا سلط الله عليهم العدو" .

هركه اونيك ميكند يابد نيك وبد هرجه ميكند يابد

ثم انه تعالى لما امر المؤمنين بان يوفوا جميع ما اوجبه عليهم من التكاليف شرع فى ذكر التكاليف مفصلة فبدأ بذكر ما يحل ويحرم من المطعومات فقال عز وجل من قائل { احلت لكم بهيمة الانعام } البهيمة كل ذات اربع واضافتها الى الانعام للبيان كثوب الخز وافرادها لارادة الجنس اى احل لكم اكل البهيمة من الانعام وهى الابل والبقر والضأن والمعز وذكر كل واحد من هذه الانواع الاربعة زوج بانثاه وانثاه زوج بذكره فكان جميع الازواج ثمانية بهذا الاعتبار من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين على التفصيل المذكور فى سورة الانعام فالبهيمة اعم من الانعام لان الانعام لا تتناول غير الانواع الاربعة من ذوات الاربع والحق بالانعام الظباء وبقر الوحش ونحوهما { الا ما يتلى عليكم } استثناء من بهيمة الانعام بتقدير المضاف اى الا محرم ما يتلى عليكم اى الا الذمى حرمه المتلو من القرآن من قوله تعالى { { حرمت عليكم الميتة } [المائدة: 3].
بعد هذه الآية او بتقدير نائب الفاعل اى الا ما يتلى عليكم فيه آية كريمة { غير محلى الصيد } الصيد بمعنى المصدر اى الاصطياد فى البر او المفعول اى اكل صيده بمعنى مصيده وهو نصب على الحالية من ضمير لكم ومعنى عدم احلالهم له تقرير حرمته عملا واعتقادا وهو شائع فى الكتاب والسنة { وانتم حرم } اى محرمون حال من الضمير فى محلى. والحرم جمع حرام بمعنى محرم يقال احرم فلان اذا دخل فى الحرم او فى الاحرام وفائدة تقييد احلال بهيمة الانعام بما ذكر من عدم احلال الصيد حال الاحرام اتمام النعمة واظهار الامتنان باحلالها بتذكير احتياجهم اليه فان حرمة الصيد فى حالة الاحرام من مظان حاجتهم الى احلال غيره حينئذ كأنه قيل احلت لكم الانعام مطلقا حال كونكم ممتنعين عن تحصيل ما يغنيكم عنها فى بعض الاوقات محتاجين الى احلالها { ان الله يحكم ما يريد } من تحليل وتحريم على ما توجبه الحكمة ومعنى الايفاء بهما الجريان على موجبهما عقدا وعملا والاجتناب عن تحليل المحرمات وتحريم المحللات.
والاشارة فى الآية { اوفوا بالعقود } التى جرت بيننا يوم الميثاق وعلى عهود العشاق وعقودهم على بذل وجودهم لنيل مقصودهم عاقدوا على عهد يحبهم ويحبونه ولا يحبون دونه فالوفاء بالعهد الصبر على الجفاء والجهد فمن صبر على عهوده فقد فاز بمقصوده عنه بذل وجوده { احلت لكم بهيمة الانعام } اى ذبح بهيمة النفس التى هى كالانعام فى طلب المرام { الا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وانتم حرم } يعنى الا النفس المطمئنة اذا تليت عليها ارجعى الى ربك فانها تنفرت من الدنيا وما فيها فانها كالصيد فى الحرم وانتم حرم بالتوجه الى كعبة الوصال باحرام الشوق الى حضرة الجمال والجلال متجردين عن كل مرغوب ومرهوب منفردين من كل مطلوب ومحبوب { ان الله يحكم } بذبح النفس اذا كانت موصوفة بصفة البهيمة ترفع فى مراتع الحيوان السفلية بترك ذبحها ويخاطبها بالرجوع الى حضرة الربوبية عند اطمئنانها مع ذكر الحق واتصافها بالصفات الملكية العلوية { ما يريد } كما يريد كذا فى التأويلات النجمية.