التفاسير

< >
عرض

قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٠٠
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل لا يستوى الخبيث والطيب } نزلت فى حجاج اليمامة "لما هم المسلمون ان يوقعوا بهم بسبب انه كان فيهم الحطيم وقد اتى المدينة فى السنة السابقة واستاق سرح المدينة فخرج فى العام القابل وهو عام عمرة القضاء حاجا فبلغ ذلك اصحاب السرح فقالوا للنبى عليه السلام هذا الحطيم خرج حاجا مع حجاج اليمامة فخل بيننا وبينه فقال عليه السلام انه قلد الهدى ولم يأذن لهم فى ذلك بسبب استحقاقهم الا من بتقليد الهدايا فنزلت الآية تصديقا له عليه السلام فى نهيه اياهم عن تعرض الحجاج وان كانوا مشركين" وقد مضت هذه القصة فى اول السورة عند قوله تعالى { { يا أيها الذين ءآمنوا لا تحلوا شعائر الله } [المائدة: 2] الآية.
وبقى حكم هذه الآية الى ان نزلت سورة البراءة فنسخ بنزولها لانه قد كان فيها
{ { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } [التوبة: 28].
وفيها
{ { فاقتلوا المشركين } [التوبة: 5].
فنسخ حكم الهدى والقلائد والشهر الحرام والاحرام وامنهم بها بدون الاسلام وسبب النزول وان كان خاصا لكن حكمه عام فى نفى المساواة عند الله بين الردى وبين الجيد ففيه ترغيب فى الجيد وتحذير عن الردى ويتناول الخبيث والطيب امورا كثيرة. فمنها الحرام والحلال فمثقال حبة من الحلال ارجح عند الله من ملىء الدنيا من الحرام لان الحرام خبيث مردود والحلال طيب مقبول فهما لا يستويان ابدا كما ان طالبهما كذلك اذا طالب الخبيث خبيث وطالب الطيب طيب والله تعالى يسوق الطيب الى الطيب كما انه يسوق الخبيث الى الخبيث كما قال
{ { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } [النور: 26].
والطيب عند سادات الصوفية قدس الله اسرارهم ما كان لا فكر وحركة نفسانية سواء سيق من طرف صالح او فاسق لانه رزق من حيث لا يحتسب وهو مقبول وخلافه مردود ولا بعد فى هذا لان حسنات الابرار سيآت المقربين وبينهما بون بعيد وايضا الخبيث من الاموال ما لم يخرج منها حق الله والطيب ما اخرجت منه الحقوق والخبيث ما انفق فى وجوه الفساد والطيب ما انفق فى وجوه الطاعات والطيب من الاموال ما وافق نفع الفقراء فى اوقات الضرورات والخبيث ما دخل عليهم فى وقت استغنائهم فاشتغلت خواطرهم بها. ومنها المؤمن والكافر والعادل والفاسق فالمؤمن كالعسل والكافر كالسم والعادل كشجرة الثمرة والفاسق كشجرة الشوك فلا يستويان على كل حال. ومنها الاخلاق الطيبة والاخلاق الخبيثة فمثل التواضع والقناعة والتسليم والشكر مقبول ومثل الكبر والحرص والجزع والكفران مردود لان الاول من صفات الروح والثانى من صفات النفس والروح طيب علوى والنفس خلافه: وفى المثنوى

هين مرواندر بى نفسى جوزاغ كو بكورستان برد نه سوى باغ
نفس اكرجه زيركست وخرده دان قبله اش دنياست اورامرده دان

ومن اخلاق النفس حب المال والكبار قد عدوا المال الطيب حجابا فما ظنك بالخبيث منه فلا بد من تصفية الباطن وتخليته عن حب ما سوى الله تعالى. ومنها العلوم النافعة والعلوم الغير النافعة فالنافعة كعلوم الشريعة وغير النافعة كعلوم الفلاسفة: وفى المثنوى

علم دين فقهست وتفسير وحديث هركه خواند غير ازين كرددخبيث

ومنها الاعمال الصالحة والاعمال الغير الصالحة فما اريد به وجه الله تعالى فهو صالح وما اريد به الرياء والسمعة فهو غير صالح

عبادت باخلاص نيت نكوست وكرنه جه آيد زبى مغز بوست

قال فى التأويلات النجمية الخبيث ما يشغلك عن الله والطيب ما يوصلك الى الله. وايضا الطيب هو الله الواحد والخبيث ما سواه وفيه كثرة { ولو اعجبك كثرة الخبيث } الواو لعطف الشرطية على مثلها المقدر اى لو لم يعجبك كثرة الخبيث ولو اعجبتك وكلتاهما فى موضع الحال من فاعل لا يستوى اى لا يستويان كائنين على كل حال مفروض وجواب لو محذوف والمعنى والتقدير ان الخبيث ولو اعجبتك كثرته يمتنع ان يكون مساويا للطيب فان العبرة بالجودة والرداءة دون القلة والكثرة فان المحمود القليل خير من المذموم الكثير بل كلما كثر الخبيث كان اخبث ومعنى الاعجاب السرور بما يتعجب منه يقال يعجبنى امر كذا اى يسرنى والخطاب فى اعجبك لكل واحد من الذين امر النبى عليه السلام بخطابهم { فاتقوا الله } فى تحرى الخبيث وان كثروا آثروا الطيب وان قل { يا اولى الالباب } يا ذوى العقول الصافية وهم فى الحقيقة من تخلصت قلوبهم وارواحهم من قشور الابدان والنفوس { لعلكم تفلحون } راجين ان تنالوا الفلاح وهو سعادة الآخرة.
ثم ان التقوى على مراتب.
قال ابن عطاء التقوى فى الظاهر مخالفة الحدود وفى الباطن النية والاخلاص وقال فى قوله تعالى
{ { اتقوا الله حق تقاته } [آل عمران: 102].
وهو صدق قولك لا اله الا الله وليس فى قلبك شىء سواه.
ومن وصايا حضرة المولوى قبيل وفاته [اوصيكم بتقوى الله فى السر والعلانية وبقلة الطعام وقلة المنام وقلة الكلام وهجر المعاصى والآثام وترك الشهوات على الدوام واحتمال الجفاء من جميع الانام وترك مجالسة السفهاء والعوام ودوام مصاحبة الصالحين الكرام فان خير الناس من ينفع الناس وخير الكلام ما قل ودل].
واعلم ان النافع هو التقوى والسبب المنجى هو الايمان والعمل الصالح دون الحسب والنسب فلا يغرنك الشيطان بكثرة اموالك واولادك ووفرة مفاخر آبائك واجدادك فاصل البول الماء الطيب الصافى والله تعالى يخرج الميت من الحى.