التفاسير

< >
عرض

مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
١٠٣
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ
١٠٤
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ما جعل الله } هو الجعل التشريعى ويتعدى الى واحد اى ما شرع وما وضع وما سن { من } مزيدة لتأكيد النفى { بحيرة } كان اهل الجاهلية اذا نتجت الناقة خمسة ابطن آخرها ذكر بحروا اذنها اى شقوها وحرموا ركوبها ودرها ولا تطرد عن ماء ولا مرعى فهى فعيلة من البحر وهو الشق بمعنى المفعولة { ولا سائبة } كان الرجل منهم يقول اذا قدمت من سفرى او برئت من مرضى فناقتى سائبة وجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها فهى فاعلة من قولهم ساب الماء يسيب سيبا اذا جرى على وجه الارض ويقال ايضا سابت الحية فالسائبة هى التى تركت حتى تسيب حيث شاءت { ولا وصيلة } كانوا اذا ولدت الشاة انثى فهى لهم وان ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وان ولدت ذكرا وانثى قالوا وصلت اخاها واستحيوا الذكر من اجل الانثى فلا يذبح لآلهتهم. فمعنى الآية ما جعل الله انثى تحلل ذكرا محرما عند الانفراد فهى فعيلة بمعنى فاعلة { ولا حام } كانوا اذا نتجت من صلب الفحل عشرة ابطن قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى فهو اسم فاعل من حمى يحمى اى منع يقال حماه يحميه اذا حفظه { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } اى يكذبون عمدا حيث يفعلون ما يفعلون ويقولون الله امرنا بهذا وامامهم عمرو بن لحى الخزاعى فانه كان اقدم من ملك مكة وكان اول من غير دين اسماعيل فاتخذ الاصنام ونصب الاوثان وشرع البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى ـ روى ـ انه عليه السلام قال فى حقه "رأيت عمرو بن لحى الخزاعى يجر قصبه فى النار يؤذى اهل النار بريح قصبه"
.والقصب المعى هذا شأن رؤسائهم وكبارهم { وأكثرهم } وهم اراذلهم الذين يوقعونهم فى معاصى رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يعقلون } انه افتراء باطل حتى يخالفوهم ويهتدوا الى الحق بانفسهم فيبقون فى اسر التقليد { واذا قيل لهم } اى للاكثر على سبيل الهداية والارشاد { تعالوا الى ما انزل الله } من الكتاب المبين للحلال والحرام { والى الرسول } الذى انزل هو عليه لتقفوا على حقيقة الحال وتميزوا الحرام من الحلال { قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا } بيان لعنادهم واستعصائهم على الهادى الى الحق وانقيادهم للداعى الى الضلال. وحسبنا مبتدأ وما وجدنا خبره وهو فى الاصل مصدر والمراد به اسم الفاعل اى كافينا الذى وجدنا عليه آباءنا { أولو كان ءآباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون } الواو للعطف على شرطية اخرى مقدرة قبلها والتقدير أيحسبهم ذلك اى أيكفيهم وجدان آبائهم على هذا المقال او أيقولون هذا القول ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً من الدين ولا يهتدون للصواب والمعنى ان الاقتداء انما يكون بمن علم انه عالم مهتد وذلك لا يعرف الا بالحجة.
قال الحسين الواعظ فى تفسيره [يعنى ايشان جاهل وكمراه بودند تقليد ايشان نافع نيست بلكه تقليد عالم مىبايد تاكار بتحقيق آنجامد] قال جلال الدين رومى قدس سره فى المثنوى

از مقلد تامحقق فرقهاست اين يكى كوهست وان ديكر صداست
دست در بينازنى آيى براه دست در كورى زنى افتى بجاه

قال الشيخ على دده فى اسئلة الحكم اما ما ورد فى الاحاديث النبوية فى حق الدجاجلة وظهورها بين الامة فلا شك عند اهل العلم ان الدجاجلة هم الائمة المضلون لا سيما من متصوفة الزمان او متشيخيهم وقد شاهدناهم فى عصرنا هذا قاتلهم الله حيثما كانوا انتهى.
قال بعضهم قلت لمتشبه بالصوفية ظاهرا بعنى جبتك لما علم من احواله فقال اذا باع الصياد شبكته فبأى شىء يتصيد

بروى ريا خرقه سهلست دوخت كرش باخدا در توانى فروخت
بنزديك من شبرو راهزن به از فاسق بارسا وبيرهن

والاشارة ان الشيطان كلما سلط على قوم اغراهم على التصرف فى انعام اجسامهم ونفوسهم مبتدعين غير متبعين وهم يزعمون ان هذه التصرفات لله وفى الله وفى قوله { ما جعل الله من بحيرة } اشارة الى من يتصرف بما لم يؤمر به كمن يشق اذنه او يثقبها ويجعل فيها الحلقة من الحديد او يثقب صدره او ذكره ويجعل عليه القفل او يجعل فى عنقه الغل او يحلق لحيته مثل ما يفعل هؤلاء القلندرية. قال الحافظ قدس سره

قلندرى نه بريشست وموى يا ابرو حساب راه قلندر بدانكه موى بموست
كذشتن از سر مو در قلندرى سهلست جوحافظ آنكه زسر بكذرد قلندر اوست

{ ولا سائبة } وهم الذين يدرون فى البلاد مسيبين خليعى العذار يرتعون فى مراتع البهيمية والحيوانية بلا لجام الشريعة وقيد الطريقة وهم يدعون انهم أهل الحق قد لعب الشيطان بهم فاتخذوا الههم هواهم { ولا وصيلة } وهم الذين يبيحون المحرمات ويستحلون الحرمات ويتصلون بالاجانب من طريق الاخوة والابوة كالاباحية والزنادقة فيغتر به ويظن انه بلغ مقام الوحدة وانه محمى عن النقصان بكل حال ولا يضره مخالفات الشريعة اذ هو بلغ مقام الحقيقة فهذا كله من وساوس الشيطان وهو اجس النفس ما امر الله بشىء من ذلك ولا رخص لاحد فيه فهؤلاء الذين وضعوا هذه الطريقة وابتدعوها لا يعلمون شيئاً من الشريعة والطريقة ولا يهتدون الى الحقيقة فانهم اهل الطبيعة وارباب الخديعة ولقد شاعت فى الآفاق فتنتهم وكملت فيهم غرتهم ومالهم من دافع ولا مانع ولا وازع على ان الخرق قد اتسع على الراقع

ارى الف بان لا يقوم بهادم فكيف بيان خلفه الف هادم