التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١١
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم } متعلق بنعمة الله { اذ همّ قوم } ظرف لنفس النعمة اى اذكروا انعامه عليكم فى وقت همهم وقصدهم { ان يبسطوا اليكم ايديهم } اى بان يبطشوا بكم بالقتل والاهلاك يقال بسط اليه يده اذا بطش به وبسط اليه لسانه اذا شتمه { فكف ايديهم عنكم } عطف على هم وهو النعمة التى اريد تذكيرها وذكر الهم ايذان بوقوعها عند مزيد الحاجة اليها والفاء للتعقيب المفيد لتمام النعمة وكمالها اى منع ايديهم ان يمدوا اليكم عقيب همهم بذلك لا انه كفها عنكم بعدما مدوها اليكم.
وفيه من الدلالة على كمال النعمة من حيث انها لم تكن مشوبة بضرر الخوف والانزعاج الذى قلما يعرى عنه الكف بعد المد ما لا يخفى مكانه وذلك ما روى ان المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه بعسفان فى غزوة ذى انمار وغزوة ذات الرقاع وهى السابعة من مغازيه عليه السلام قاموا الى الظهر معا فلما صلوا ندم المشركون على ان لا كانوا قد اكبوا عليهم فقالوا ان لهم بعدها صلاة هى احب اليهم من آبائهم وابنائهم يعنون صلاة العصر وهموا ان يوقعوا بهم اذا قاموا اليها فردهم الله تعالى بكيدهم بان انزل صلاة الخوف.
وقيل هو ما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بنى قريظة ومعه الشيخان وعلى رضى الله عنهم يستقرضهم لدية مسلمين قتلهما عمرو بن امية الضمرى خطأ يحسبهما مشركين فقالوا انعم يا ابا القاسم اجلس حتى نطعمك ونعطيك ما سألت فاجلسوه فى صفة وهموا بقتله وعمد عمرو بن جحاش الى رحى عظيمة يطرحها عليه فامسك الله تعالى يده ونزل جبريل فاخبر فخرج النبى عليه السلام.
وقيل هو ما
"روى انه صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق اصحابه فى الفضى يستظلون بها فعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه بشجرة فجاء اعرابى فاخذه وسله فقال من يمنعك منى فقال عليه السلام الله فاسقطه جبريل عليه السلام من يده فاخذه الرسول عليه السلام فقال من يمنعك منى فقال لا احد اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله" { واتقوا الله } عطف على اذكروا اى اتقوه فى رعاية حقوق نعمته فلا تخلوا بشكرها { وعلى الله } اى عليه تعالى خاصة دون غيره استقلالا واشتراكا { فليتوكل المؤمنون } فانه يكفيهم فى ايصال كل خير ودفع كل شر.
واعلم ان التوكل عبارة عن الاعتصام بالله تعالى فى جميع الامور ومحله القلب والحركة بالظاهر لا تنافى توكل القلب بعدما تحقق للعبد ان التقدير من قبل الله فان تعسر شىء فبتقديره. واعلى مراتب التوكل ان يكون بين يدى الله تعالى كالميت بين يدى الغاسل تحركه القدرة الازلية وهو الذى قوى يقينه ألا ترى الى ابراهيم عليه السلام لما هم نمرود وقومه ان يبسطوا اليه ايديهم فرموه فى النار جاءه جبريل وهو فى الهواء فقال ألك حاجة قال أما اليك فلا وفاه بقوله حسبى الله ونعم الوكيل وانظر الى حقيقة توكل النبى عليه السلام حيث كف الله عنه وعن اصحابه ايدى المشركين رأسا فلم يقدروا ان يتعرضوا له بل ابتلوا فى اغلب الاحوال بما لا يخطر ببالهم من البلايا جزاء لهم على همهم بالسوء: وفى المثنوى

قصه عاد وثمود از بهر جيست تابدانى كه ابيارا ناز كيست

فالتوكل من معالى درجات المقربين فعلى المؤمن ان يتحلى بالصفات الحميدة ويسير فى طريق الحق بسيرة حسنة.
ودخل حكيم على رجل فرأى دارا متجددة وفرشا مبسوطة ورأى صاحبها خاليا من الفضائل فتنحنح فبزق على وجهه فقال ما هذا السفه ايها الحكيم فقال بل هو عين الحكمة لان البصاق لزق الى اخس ما كان فى الدار ولم ار فى دارك اخس منك لخلوك عن الفضائل الباطنة فنبه بذلك على دناءته وقبحه لكونه مسترسلا فى لذاته مستغرقا اوقاته لعمارة ظاهره: قال الحافظرحمه الله

قلندران حقيقت بنيم جو نخرند قباى اطلس آنكس كه از هنر عاريست

ثم اعلم ان كل شىء بقضاء الله تعالى وان الله يختبر عباده بما اراد فعليهم ان يعتمدوا عليه فى العسر واليسر والمنشط والمكره.
وعن ابى عثمان قال كان عيسى عليه السلام يصلى على رأس جبل فاتاه ابليس فقال انت الذى تزعم ان كل شىء بقضاء قال نعم قال الق نفسك من الجبل وقل قدر علىّ قال يا لعين الله يختبر العباد وليس العباد يختبرون الله وما على العبد الا التوكل والشكر على الانعام. ومن جملة انعام الله تعالى الاخراج من ظلمة العدم الى نور الوجود بامر كن والله يعلم ان رجوع العباد الى العدم ليس بهم ولا اليهم كما لم يكن خروجهم بهم فان خروجهم كان بجذبة امر كن فكذلك رجوعهم لا يكون الا بجذبة امر ارجعى فعليهم ان يكونوا واثقين بكرم الله وفضله مسارعين فى طلب مرضاة الله جاهدين على وفق الاوامر والنواهى فى الله ليهديهم الى جذبات عنايته ولطفه.