التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ
١١٥
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ قال الله انى منزلها عليكم } اجابة الى سؤالكم { فمن يكفر بعد } اى بعد تنزيلها { منكم } حال من فاعل يكفر { فإنى أعذبه } بسبب كفره بعد معاينة هذه الآية الباهرة { عذابا } اسم مصدر بمعنى التعذيب اى تعذيبا { لا اعذبه } صفة لعذابا والضمير له اى اعذبه تعذيبا لا اعذب ذلك التعذيب اى مثل ذلك التعذيب { أحدا من العالمين } اى من عالمى زمانهم او من العالمين جميعا فانهم مسخوا قردة وخنازير ولم يعذب مثل ذلك غيرهم ـ روى ـ ان عيسى عليه السلام اغتسل ولبس المسح وصلى ركعتين فطأطأ رأسه وغض بصره ثم دعا فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون حتى سقطت بين ايديهم فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال اللهم اجعلنى من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة للعالمين ولا تجعلها مثلة وعقوبة ثم قام وتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل الذى عليها وقال بسم الله خير الرازقين فاذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوكة يسيل دسمها وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من انواع البقول ما خلا الكراث واذا خمسة ارغفة على واحد منها زيتون وعلى الثانى عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون رأس الحواريين يا روح الله أمن طعام الدنيا ام من طعام الآخرة قال ليس منهما ولكنه اخترعه الله بقدرته كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله فقالوا يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية اخرى فقال يا سمكة احيى باذن الله فاضطربت ثم قال لها عودى كما كنت فعادت مشوية فلبث المائدة يوما واحدا فأكل من اكل منها ثم طارت ولم تنزل بعد ذلك اليوم وقيل كانت تأتيهم اربعين يوما غبا اى تنزل يوما ولا تنزل يوما يجتمع عليها الفقراء والاغنياء والصغار والكبار يأكلون حتى اذا فاء الفيىء طارت وهم ينظرون فى ظلها ولم يأكل منها فقير الا غنى مدة عمره ولا مريض الا برىء ولم يمرض ابدا ثم اوحى الله الى عيسى ان اجعل مائدتى فى الفقراء والمرضى دون الاغنياء الاصحاء فاضطرب الناس بذلك اى تعاظم على الاغنياء والاصحاء حتى شكوا وشككوا الناس فى شأن المائدة ونزولها من السماء حقيقة فمسخ منهم من مسخ فاصبحوا خنازير يسعون فى الطرقات والكناسات ويأكلون العذرة فى الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا الى عيسى وبكوا على الممسوخين فلما ابصرت الخنازير عيسى بكت وجعلت تطوف به وجعل يدعوهم باسمائهم واحدا بعد واحد فيبكون ويشيرون برؤسهم فلا يقدرون على الكلام فعاشوا ثلاثة ايام ثم هلكوا ولم يتوالدوا وكذلك كل ممسوخ.
والاشارة ان الله تعالى سلخ صورة الانسانية عن حقائق صفات الحيوانية وألبسهم الصور من حقائق صفاتهم فمسخوا خنازير ليعتبر الخلق ويتحقق لهم ان الناس يحشرون على صور صفاتهم يوم تبلى السرائر يوم تبيض وجوه وتسود وجوه كما قال عليه السلام
"يموت الناس على ما عاشوا فيه ويحشرون على ما ماتوا عليه"
.يعنى يحشرون على صورة صفاتهم التى ماتوا عليها: وفى المثنوى

هر خيالى كوكند در دل وطن روز محشر صورتى خواهد شدن
زانكه حشر حاسدان روز كزند بى كمان بر صورت كركان كنند
حشربر حرص وخس ومردارخوار صورت خوكى بود روز شمار
زانيانرا كنده اندام نهان خمر خوارانرا همه كنده دهان
سيرتى كاندر وجودت غالبست هم بران تصوير حشرت واجبست

قال القاضى فى تفسيره وعن بعض الصوفية المائدة عبارة عن حقائق المعارف فانها غذاء الروح كما ان الاطعمة غذاء البدن وعلى هذا فلعل الحال انهم رغبوا فى حقائق لم يستعدوا للوقوف عليها وقال لهم عيسى ان حصلتم الايمان فاستعملوا التقوى حتى تتمكنوا من الاطلاع عليها فلم يقلعوا عن السؤال والجواب فيها فسأل لاجل اقتراحهم فبين الله تعالى ان انزاله سهل ولكن فيه خطر وخوف وعاقبة فان السالك اذا انكشف له ما هو اعلى من مقامه لعله لا يتحمله ولا يستقر له فيضل به ضلالا بعيدا انتهى كلام القاضى.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره ان قوم عيسى عليه السلام عصوا مرة فرفعت المائدة وانا نعصى فى كل وقت مع ان نعم الله تعالى مترادفة وذلك لان المائدة التى نزلت عليهم من مرتبة الصفة والنعم الفائضة علينا مرتبة الذات وما هو من الذات لا يتغير ولا يتبدل وانما التغير فى الصفة وقد بقى هنا شىء وهو ان الاعياد اربعة لاربعة اقوام. احدها عيد قوم ابراهيم كسر الاصنام حين خرج قومه الى عيد لهم. والعيد الثانى عيد قوم موسى واليه الاشارة بقوله تعالى فى سورة طه
{ { قال موعدكم يوم الزينة } [طه: 59].
والعيد الثالث عيد قوم عيسى واليه الاشارة بقوله تعالى
{ { ربنا انزل علينا مائدة } [المائدة: 114] الآية.
والعيد الرابع عيد امة محمد عليه السلام وهو ثلاثة عيد يتكرر كل اسبوع وعيدان يأتيان فى كل عام مرة من غير تكرر فى السنة فاما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الاسبوع وهو مرتب على اكمال الصلوات المكتوبات لان الله فرض على المؤمنين فى اليوم والليلة خمس صلوات وان الدنيا تدور على سبعة ايام فكلما كمل دور اسبوع من ايام الدنيا واستكمل المسلمون صلواتهم شرع لهم فى يوم استكمالهم يوم الجمعة وهو اليوم الذى كمل فيه الخلق وفيه خلق آدم وادخل الجنة واخرج منها وفيه ينتهى امر الدنيا فتزول وتقوم الساعة فيه وفيه الاجتماع على سماع الذكر والموعظه وصلاة الجمعة وجعل ذلك لهم عيدا ولذلك نهى عن افراده بالصوم وفى شهود الجمعة شبه من الحج ويروى انها حج المساكين.
وقال سعيد بن المسيب شهود الجمعة احب الى من حجة نافلة والتكبير فيها يقوم مقام الهدى على قدر السبق والشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب الى الجمعة الاخرى اذا سلم ما بين الجمعتين من الكبائر كما ان الحج المبرور يكفر ذنوب تلك السنة الى الحجة الاخرى.
وقد روى اذا سلمت الجمعة سلمت الايام. واما العيدان اللذان يتكرران فى كل عام انما يأتى كل واحد منهما مرة واحدة فاحدهما عيد الفطر من صوم رمضان وهو مرتب على اكمال الصيام وهو الركن الثالث من اركان الاسلام ومبانيه فاذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فان صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار والعيد الثانى عيد النحر وهو اكبر العيدين وافضلهما وهو مترتب على اكمال الحج وهو الركن الرابع من اركان الاسلام ومبانيه فاذا اكمل المسلمون حجتهم غفر لهم وانما يكمل الحج يوم عرفة والوقوف بعرفة ركن الحج الاعظم ـ وروى ـ انس رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال قد ابدلكم الله بهما خيرا منهما الفطر والاضحى واجتمعت الامة على هذا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا بلا نكير منكر فهذه اعياد الدنيا تذكر اعياد الآخرة وقد قيل كل يوم كان للمسلمين عيدا فى الدنيا فهو عيد لهم فى الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه فيوم الجمعة فى الجنة. يدعى يوم المزيد ويوم الفطر والاضحى يجتمع اهل الجمعة فيهما للزيارة هذا لعوام اهل الجنة واما خواصهم فكل يوم لهم عيد يزورون ربهم كل يوم مرتين بكرة وعشيا والخواص كانت ايام الدنيا كلها لهم اعيادا فصارت ايامهم فى الآخرة كلها اعيادا. واما اخص الخواص فكل نفس عيد لهم.