التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
١١٦
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم } اى اذكر يا محمد للناس وقت قول الله تعالى لعيسى عليه السلام فى الآخرة توبيخا للكفرة وتبكيتا لهم باقراره عليه السلام على رؤوس الاشهاد بالعبودية وامره لهم بعبادته تعالى { ءأنت قلت للناس اتخذونى وأمى آلهين } مفعول ثان للاتخاذ { من دون الله } حال من فاعل اتخذونى كأنه قيل صيرونى وامى إلٰهين اى معبودين متجاوزين عن الوهية الله تعالى ومعبوديته والمراد اتخاذهما بطريق اشراكهما به سبحانه كما فى قوله تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا } [البقرة: 165].
لان احدا منهم لم يذهب الى القول بإلٰهية عيسى ومريم مع القول بنفى إلٰهية الله تعالى ولما لم يكن المقصود انكار نفس القول بل قصد توبيخ من قال به ولى حرف الاستفهام المبتدأ ولم يقل كذا لانه يفيد انكار نفس القول.
قال المولى ابو السعودرحمه الله ليس مدار اصل الكلام ان القول متيقن والاستفهام لتعيين القائل كما هو المتبادر من ايلاء الهمزة المبتدأ على الاستعمال الفاشى وعليه قوله تعالى
{ { ءانت فعلت هذا بآلهتنا } [الأنبياء: 62].
ونظاهره بل على ان المتيقن هو الاتخاذ والاستفهام لتعيين انه بامره عليه السلام او من تلقاء انفسهم كما فى قوله تعالى
{ { ءانتم أضللتم عبادى هٰؤلاء أم هم ضلوا السبيل } [الفرقان: 17] انتهى.
قال فى التأويلات النجمية الاثبات بعد الاستفهام نفى كما ان النفى بعد الاستفهام اثبات كقوله
{ { ألست بربكم } [الأعراف: 172].
اى انا ربكم ونظير النفى فى الاثبات قوله تعالى
{ أءلٰه مع الله } [النمل: 64،63،62،61،60].
اى ليس مع الله إلٰه فمعناه ما قلت انت للناس اتخذونى وامى إلٰهين من دون الله ولكنهم بجهلهم قد بالغوا فى تعظيمك حتى اطروك وجاوزوا حدك فى المدح ولهذا قال النبى عليه السلام
"لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم" انتهى.
فان قيل ما وجه هذا السؤال مع علمه تعالى ان عيسى عليه الصلاة والسلام لم يقله قيل ذلك لتوبيخ قومه وتعظيم امر هذه المقالة.
قال ابو روق اذا سمع عيسى هذا الخطاب ارتعدت مفاصله وانفجرت من اصل كل شعرة من جسده عين من دم وهذا الخطاب وان كان ظاهره مع عيسى ولكن كان حقيقة مع الامة لان سنة الله ان لا يكلم الكفار يوم القيامة ولا ينظر اليهم { قال } كأنه قيل فماذا يقول عيسى حينئذ فقيل يقول { سبحانك } علم للتسبيح اى انزهك تنزيها لائقا بك من ان اقول ذلك او من ان يقال فى حقك ذلك { ما يكون لى ان اقول ما ليس لى بحق } اى ما يستقيم وما ينبغى لى ان اقول قولا لا يحق لى ان اقوله { ان كنت قلته } اى هذا القول { فقد علمته } لانى لا اقدر على هذا القول الا بان توجد فىّ وتكونه بقولك كن فصدوره عنى مستلزم لعلمك به قطعا فحيث انتفى العلم انتفى الصدور حتما ضرورة ان عدم اللازم مستلزم لعدم الملزوم { تعلم ما فى نفسى } اى ما اخفيه فى نفسى كما تعلم ما اعلنه { ولا اعلم ما فى نفسك } اى ولا اعلم ما تخفيه من معلوماتك فعبر عما يخفيه الله من معلوماته بقوله ما فى نفسك للمشاكلة لوقوعه فى صحبة قوله تعلم ما فى نفسى فان معلومات الانسان مختفية فى نفسه بمعنى كون صورها مرتسمة فيها بخلاف معلومات الله تعالى فان علمه تعالى حضورى لا تنقطع صورة شىء منها فى ذاته فلا يصح ان يحمل النفس على المعنى المتبادر { إنك أنت علام الغيوب } ما كان وما يكون.