التفاسير

< >
عرض

يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
١٦
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يهدى به الله } وحد الضمير لان المراد بهما واحد بالذات او لانهما فى حكم الواحد فان المقصود منهما دعوة الخلق الى الحق احدهما رسول إلهى والآخر معجزته وبيان ما يدعو اليه من الحق { من اتبع رضوانه } اى رضاه بالايمان به { سبل السلام } اى طرق السلامة من العذاب والنجاة من العقاب على ان يكون السلام بمعنى السلامة كاللذاذ واللذاذة والرضاع والرضاعة او سبيل الله تعالى وهو شريعته التى شرعها للناس على ان يكون السلام هو الله تعالى وانتصاب سبل بنزع الخافض فان يهدى انما يتعدى الى الثانى بالى او باللام كما فى قوله تعالى { { إن هذا القرآن يهدى للتى هى اقوم } [الإسراء: 9].
{ ويخرجهم } الضمير لمن والجمع باعتبار المعنى كما ان الافراد فى اتبع باعتبار اللفظ { من الظلمات } اى ظلمات فنون الكفر والضلال { الى النور } الى الايمان وسمى الايمان نورا لان الانسان اذا آمن ابصر به طريق نجاته فطلبه وطريق هلاكه فحذره { باذنه } اى بتيسيره وارادته { ويهديهم الى صراط مستقيم } اى طريق هو اقرب الطرق الى الله تعالى ومؤد اليه لا محالة وهذه الهداية عين الهداية الى سبل السلام وانما عطف عليها تنزيلا للتغاير الوصفى منزلة التغاير الذاتى كما فى قوله تعالى
{ { ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين ءآمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين } [هود: 94].
واعلم ان الله تعالى بعث النبى صلى الله عليه وسلم نورا يبين حقيقة حظ الانسان من الله تعالى وانه تعالى سمى نفسه نورا بقوله تعالى
{ { الله نور السموات والأرض } [النور: 35].
لانهما كانتا مخفيتين فى ظلمة العدم فالله تعالى اظهرهما بالايجاد وسمى الرسول نورا لان اول شىء اظهره الحق بنور قدرته من ظلمة العدم كان نور محمد صلى الله عليه وسلم كما قال
"اول ما خلق الله نورى"
.ثم خلق العالم بما فيه من نوره بعضه من بعض فلما ظهرت الموجودات من وجود نوره سماه نورا وكل ما كان اقرب الى الاختراع كان اولى باسم النور كما ان عالم الارواح اقرب الى الاختراع من عالم الاجسام فلذلك سمى عالم الانوار والعلويات نورانيا بالنسبة الى السفليات فاقرب الموجودات الى الاختراع لما كان نور النبى عليه السلام كان اولى باسم النور ولهذا كان يقول "انا من الله والمؤمنون منى" وقال تعالى { { قد جاءكم من الله نور } [المائدة: 15].
ـ وروى ـ عن النبى عليه السلام انه قال
"كنت نورا بين يدى ربى قبل خلق آدم باربعة عشر ألف عام وكان يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم القى ذلك النور فى صلبه"
.وعن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم انه قال "لما خلق الله آدم اهبطنى فى صلبه الى الارض وجعلنى فى صلب نوح فى السفينة وقذفنى فى صلب ابراهيم ثم لم يزل تعالى ينقلنى من الاصلاب الكريمة والارحام الطاهرة حتى اخرجنى بين ابوى لم يلتقيا على سفاح قط"
.قال العرفى فى قصيدته النعتية

اين بس شرف كوهر تومنشى تقدير آن روزكه بكذاشتى اقليم قدم را
تاحكم نزول تودرين دارنوشته است صدره بعبث باز تراشيد قلم را

وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما اعترف آدم بالخطيئة قال يا رب اسألك بحق محمد ان تغفر لى فقال الله يا آدم كيف عرفت محمدا ولم اخلقه قال لانك لما خلقتنى بيدك ونفخت فى من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعرفت انك لم تضف الى اسمك الا اسم احب الخلق اليك فقال الله تعالى صدقت يا آدم انه لأحب الخلق الى فغفرت لك ولولا محمد لما خلقت"
.رواه البيهقى فى دلائله.