التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يسألونك ماذا احل لهم } ما للاستفهام وذا بمعنى الذى والمعنى ما الذى احل لهم من المطاعم.
ان قلت مفعول يسأل انما يكون مفردا فكيف وقع على الجملة قلت لتضمن السؤال معنى القول { قل احل لكم الطيبات } اى ما لم تستخبثه الطباع السليمة ولم تنفر منه كما فى قوله تعالى
{ { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } [الأعراف: 157].
والطيب فى اللغة المستلذ المشتهى فالتقدير كل ما يستلذ ويشتهى والعبرة فى الاستلذاذ والاستطابة باهل المروءة والاخلاق الجميلة فان اهل البادية يستطيبون اكل جميع الحيوانات كذا قال الامام فى تفسيره { وما علمتم } عطف على الطيبات بتقدير المضاف على ان ما موصولة والعائد محذوف اى وصيد ما علمتموه { من الجوارح } حال من الموصول جمع جارحة بمعنى كاسبة قال تعالى { ويعلم ما جرحتم بالنهار } وجوارح الانسان اعضاؤه التى يكتسب بها ويحتمل ان يكون من الجرح بمعنى تفريق الاتصال فان الجوارح تجرح الصيد غالبا. والمراد بالجوارح فى الآية كل ما يكسب الصيد على اهله من سباع البهائم كالفهد والنمر والكلب ومن سباع الطير كالصقر والبازى والعقاب والنسر والباشق والشاهين ونحوها مما يقبل التعليم فان صيد جميعها حلال { مكلبين } اى معلمين لها الصيد والمكلب مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد ومضريها عليه مشتق من الكلب وذكر الكلب لكونه اقبل للصيد والتأديب فيه وانتصابه على الحالية من فاعل علمتم.
فان قلت يلزم ان يكون المعنى وصيد ما علمتم معلمين ولا فائدة. قلت فائدتها المبالغة لما ان اسم المكلب لا يقع الا على النحرير فى علمه فكأنه قيل وما علمتم ماهرين فى تعليم الجوارح حاذقين فيه مشتهرين به { تعلمونهن } حال ثانية { مما علمكم الله } من الحيل وطرق التعليم والتأديب فان العلم به الهام من الله تعالى او مكتسب بالعقل الذى هو منحة منه او مما علمكم ان تعلموه من اتباع الصيد بارسال صاحبه وان ينزجر بزجره وينصرف بدعائه ويمسك عليه الصيد ولا يأكل منه.
قال صاحب الكشاف قوله تعالى { تعلمونهن مما علمكم الله } فيه تنبيه على ان كل من يأخذ علما ينبغى ان يأخذه ممن هو متبحر فى ذلك العلم غواص فى بحار لطائفه وحقائقه وان احتاج فى ذلك الى ارتكاب سفر بعيد قال عليه السلام
"اطلبوا العلم ولو بالصين"
.فكم من آخذ من غير متقن ضيع ايامه وعض عند لقاء النحارير انامله { فكلوا مما امسكن عليكم } من تبعيضية لما ان البعض مما لا يتعلق به الاكل كالجلود والعظام والريش وما موصولة حذف عائدها وعلى متعلقة بامسكن على انفسهن لقوله عليه السلام لعدى بن حاتم "وان اكل منه فلا تأكل انما امسكه على نفسه" واليه ذهب اكثر الفقهاء. وقال بعضهم ومنهم ابو حنيفة يؤكل مما بقى من جوارح الطير ولا يؤكل مما بقى من الكلب والفرق ان يمكن ان يؤدب الكلب على الاكل بالضرب ولا يؤدب البازى على الاكل.
{ واذكروا اسم الله عليه } الضمير لما فى ما علمتم اى سموا عليه عند ارساله او لما فى ما امسكن اى سموا عليه اذا ادركتم ذكاته.
"وعن ابى ثعلبة قال قلت يا نبى الله انا بارض قوم اهل كتاب أفنأكل فى آنيتهم وبارض صيد اصيد بقوسى وبكلبى الذى ليس بمعلم وبكلبى المعلم فما يصلح لى قال اما ما ذكرت من آنية اهل الكتاب فان وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وان لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فادركت ذكاته فكل" .وعن انس رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يضحى بكبشين املحين اقرنين يطأ على صفاحهما ويذبحهما بيده ويقول بسم الله والله اكبر كذا فى تفسير البغوى. والمستحب ان يقول بسم الله الله اكبر بلا واو لان ذكر الواو يقطع نور التسمية كما فى شرح مختصر الوقاية وكره ترك التوجه الى القبلة وحلت كذا فى الذخيرة ومتروك التسمية عمدا حرام لانه ميتة بخلاف متروكها نسيانا فانه حلال { واتقوا الله } فى شأن محرماته { ان الله سريع الحساب } سريع اتيان حسابه او سريع تمامه اذا شرع فيه يتم فى اقرب ما يكون من الزمان والمعنى على التقديرين انه يؤاخذكم سريعا فى كل ما جل ودق ودلت الآية على اباحة الصيد.
قال فى الاشباه الصيد مباح الا للتلهى او حرفة كذا فى البزازية وعلى هذا فاتخاذه حرفة كصيادى السمك حرام ـ يحكى ـ عن ابراهيم ابن ادهم انه قال كان ابى من ملوك خراسان فركبت الى الصيد فاثرت ارنبا اذ هتف بى هاتف يا ابراهيم ألهذا خلقت ام بهذا امرت ففزعت ودفعت ثم اخذت ففعلت ثانيا ثم هتف بى هاتف من قربوس السرج والله ما لهذا خلقت ولا بهذا امرت فنزلت فصادفت راعى ابى ولبست جبته وتوجهت الى مكة.
ولما نزلت هذه الآية اذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اقتناء الكلاب التى ينتفع بها ونهى عن اقتناء ما لا ينتفع بها وامر بقتل الكلب العقور وبما يضر ويؤذى ورفع عما سواها مما لا ضرر فيه وفى الحديث
"من اتخذ كلبا الا كلب ماشية او صيد او زرع انتقص من اجره كل يوم قيراط"
.والحكمة فى ذلك انه ينبح الضيف ويروع السائل كذا فى تفسير الحدادى وفى الحديث "لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب" والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار اى النازلون بالبركة والرحمة والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر لا الكتبة فانهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين والمراد بالصورة صورة ذى الروح لمشابهته بيوت الاصنام وبعض الصور يعبد فابغض الاشياء الى الخواص ما عصى الله به. واما الكلب فلانه نجس فاشبه المتبرز وزاد فى بعض الاحاديث ولا جنب الا ان يتوضأ.
قال فى الترغيب والترهيب ورخص للجنب اذا نام او اكل او شرب ان يتوضأ ثم قيل هذا فى حق كل من اخر الغسل لغير عذر ولعذر اذا امكنه الوضوء فلم يتوضأ او قيل هو الذى يؤخره تهاونا وكسلا ويتخذ ذلك عادة انتهى.
قال فى الشرعة وشرحها لابن السيد على وينام بعد الوطء نومة خفيفة فانه اروح للنفس لكن السنة فيه ان يتوضأ اولا وضوءه للصلاة ثم ينام وكذا اذا اراد الاكل جنبا ولو اراد العود فليتوضأ والمراد به التنظف بغسل الذكر واليدين لا الوضوء الشرعى كما ذهب اليه بعض المالكية.
والاشارة فى الآية ان ارباب الطلب واصحاب السلوك { يسألونك ماذا احل لهم } او حرم عليهم من الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم
"الدنيا حرام على اهل الآخرة والآخرة حرام على اهل الدنيا وهما حرامان على اهل الله تعالى" { قل احل لكم الطيبات } وهى ما لا يقطع عليكم طريق الوصول الى الله فان الله طيب لا يقبل الا الطيب وكل مأكول ومشروب وملبوس ومقول ومعقول ومعمول طلبتموه بحظ من الحظوظ فقد لوثتموه للوث داعى الوجود فهو من الخبيثات لا يصلح الا للخبيثين وما طلبتموه بالحق للقيام باداء الحقوق مطيبا بنفحات الشهود فهو من الطيبات لا يصلح الا للطيبين وفى قوله { ان الله سريع الحساب } اشارة الى انه تعالى يحاسب العباد على اعمالهم قبل ان يفرغوا منها ويجازيهم فى الحال بالاحسان احسان القربة ورفعة الدرجة وجذبة العناية وبالاساءة اساءة البعد والطرد الى السفل والخذلان: ونعم ما قيل [هركه كند بخود كند ورهمه نيك بد كند] قال الصائب

جرازغيرشكايت كنم كه همجوحباب هميشه خانه خراب هواى خويشتنم