التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ
٦٤
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقالت اليهود } قال المفسرون ان الله تعالى قد بسط النعمة على اليهود حتى كانوا من اكثر الناس مالا واخصبهم ناحية فلما عصوا الله فى شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوه كف الله عنهم ما بسط عليهم من النعمة فعند ذلك قالت اليهود { يد الله مغلولة } اى مقبوضة ممسكة عن العطاء. وغل اليد وبسطها مجاز عن محض البخل والجود من غير قصد فى ذلك الى اثبات يد وغل او بسط قال الله تعالى { { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } [الإسراء: 29].
اى لا تمسكها عن الانفاق { غلت ايديهم } دعاء عليهم بالبخل المذموم والمسكة اى امسكت ايديهم عن الانفاق فى الخير وجعلوا بخلاء واليهود ابخل الناس ولا امة ابخل منهم { ولعنوا } اى ابعدوا وطردوا من رحمة الله تعالى { بما قالوا } اى بسبب ما قالوا من الكلمة الشنعاء وهذا الدعاء عليهم تعليم للعباد والا فهو اثر العجز تعالى الله عن ذلك علوا كبير { بل يداه مبسوطتان } اى ليس شأنه عز وجل كما وصفتموه بل هو موصوف بغاية الجود ونهاية الفضل والاحسان وهذا المعنى انما يستفاد من تثنية اليد فان غاية ما يبذله السخى من ماله ان يعطيه بيديه جميعا ويد الله من المتشابهات وهى صفة من صفات الله تعالى كالسمع والبصر والوجه ويداه فى الحقيقة عبارة عن صفاته الجمالية والجلالية وفى الحديث
"كلتا يديه يمين" .

اديم زمين سفره عام اوست برين خوان يغما جه دشمن جه دوست

{ ينفق كيف يشاء } اى هو مختار فى انفاقه يوسع تارة ويضيق اخرى على حسب مشيئته ومقتضى حكمته وقد اقتضت الحكمة بسبب ما فيهم من شؤم المعاصى ان يضيق عليهم: وفى المثنوى

جونكه بدكردى بترس ايمن مباش زانكه تخسمت وبروياند خداش
جند كاهى او بيوشاند كه تا آيدت زان بديشيمان وحيا
بارها بوشد بى اظهار فضل باز كيرد ازبى اظهار عدل
تاكه اين هر دوصفت ظاهرشود آن مبشر كردد اين منذر شود

{ وليزيدن كثيرا منهم } وهم علماؤهم ورؤساؤهم. قوله كثيرا مفعول اول ليزيدن { ما انزل اليك من ربك } وهو القرآن وما فيه من الاحكام وهو فاعل يزيدن { طغيانا وكفرا } مفعول ثان للزيادة اى ليزيدنهم طغيانا على طغيانهم وكفرا على كفرهم القديمين اما من حيث الشدة والغلو واما من حيث الكم والكثرة اذ كلما نزلت آية كفروا بها فيزداد طغيانهم وكفرهم بحسب المقدار كما ان الطعام الصالح للاصحاء يزيد المرضى مرضا { والقينا بينهم } اى بين اليهود فان بعضهم جبرية وبعضهم قدرية وبعضهم مرجئة وبعضهم مشبهة اما الجبرية فهم الذين ينسبون فعل العبد الى الله تعالى ويقولون لا فعل للعبد اصلا ولا اختيار وحركته بمنزلة حركة الجمادات. واما القدرية فهم الذين يزعمون ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصى بتقدير الله. واما المرجئة فهم الذين لا يقطعون على اهل الكبائر بشىء من عفو او عقوبة بل يرجعون الحكم فى ذلك اى يؤخرونه الى يوم القيامة واما المشبهة فهم الذين شبهوا الله تعالى بالمخلوقات ومثلوه بالمحدثات { العداوة والبغضاء } اى جعلناهم مختلفين فى دينهم متباغضين كما قال تعالى { { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } [الحشر: 14].
[فلا تكاد تتوافق قلوبهم ولا تتطابق اقوالهم والجملة مبتدأة مسوقة لازاحة ما عسى يتوهم فى ذكر طغيانهم وكفرهم من الاجتماع على امر يؤدى الى الاضرار بالمسلمين. قيل العداوة اخص من البغضاء لان كل عدو مبغض بلا عكس كلى { الى يوم القيمة } متعلق بالقينا { كلما اوقدوا نارا للحرب } اى كلما ارادوا محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم واثارة شر عليه { أطفأها الله } اى ردهم الله وقهرهم بان اوقع بينهم منازعة كف بها عنه شرهم: وفى المثنوى خطابا من قبل الله تعالى الى حضرة صاحب الرسالة عليه السلام

هركه درمكر تودارد دل كرو كردنش را من زنم توشاد شو
بر سر كوريش كوريهانهم اوشكر بندارد وزهرش دهم
جيست خود آلاجق آن تركمان بيش باى نره بيلان جهان
آن جراغ اوبه بيش صرصرم خودجه باشد اى مهين بيغمبرم

{ ويسعون فى الأرض فسادا } اى يجتهدون فى الكيد للاسلام واهله واثارة الشر والفتنة فيما بينهم مما يغاير ما عبر عنه بايقاد نار الحرب. وفسادا اما مفعول له او فى موضع المصدر اى يسعون للفساد او يسعون سعى فساد { والله لا يحب المفسدين } ولذلك اطفأ نائرة افسادهم ولا يجازيهم الا شرا.
وعلم ان الله تعالى مهما وكل الانسان الى حساسة طبعه وركاكة نظره وعقله فلا يترشح منه الا ما فيه من الاقوال الشنيعة والافعال الرذيلة ولذلك قالت اليهود يد الله مغلولة: ونعم ما قال فى المثنوى

درزمين كرنيشكرورخودنى است ترجمان هر زمين نبت وى است

واهل الحسد يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ولكن لا يزيدهم الحسد الا الطغيان فكما ان مصائب قوم عند قوم فوائد كذلك فوائد قوم عند قوم مصائب.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره ان جماعة السيد البخارى حسدوا لنا حتى قصدوا القتل بالسلاح واشتغلوا بالاسماء القهرية على حسب طريقهم فلم اقاتل دفعا للفتنة ثم رأيت فى موضع قرب جامع السيد البخارى قد اخذ طريقى ماء عظيم فلم يبق الا طريق ضيق فلما قربت منه لم يبق اثر من الماء ثم انه مات كثير من تلك الجماعة ولكن لم اباشر انا فى حقهم شيئاً قال كيف اميل الى مشيختهم وتصرف ثمانية عشر الف عالم بيدى بقدرة الله تعالى فى الباطن وان كنت عاجزا فى الظاهر ـ وحكى ـ ان مولانا جلال الدين اشتغل عند صلاح الدين شركوه بعد المفارقة من شمس الدين التبريزى فلما سمعه بعض اتباع مولانا ارادوا قتله فارسل اليه مولانا ابنه السلطان ولد فقال الشيخ صلاح الدين ان الله تعالى اعطانى قدرة على قلب السماء الى الارض فلو اردت اهلكتهم بقدرة الله تعالى لكن الاولى ان ندعو لاصلاحهم فدعا الشيخ فامن السلطان ولد فلانت قلوبهم واستغفروا اللهم بحق اصفيائك خلصنا من رذائل الاوصاف وسفساف الاخلاق انك انت القادر الخلاق.