التفاسير

< >
عرض

لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٨٩
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لا يؤاخذكم الله باللغو فى ايمانكم } اليمين تقوية احد الطرفين بالمقسم به واللغو فى اليمين الساقط الذى لا يتعلق به حكم وهو عند الامام الاعظم ان يحلف على شىء يظن انه كذلك وليس كما يظن مثل ان يرى الشىء من بعيد فيظن انه كذا فيقول والله انه كذا فاذا هو بخلافه فلا مؤاخذة فى هذا اليمين باثم ولا كفارة واما الغموس وهى حلفه على امر ماض او حال كذبا عمدا مثل قوله والله لقد فعلت كذا وهو لم يفعله وعكسه ومثل والله ما لهذا على دين وهو يعلم ان له عليه دينا فحكمها الاثم لانها كبيرة قال عليه السلام "من حلف كاذبا ادخله الله النار ولا كفارة فيها الا التوبة"
.قوله فى ايمانكم صلة يؤاخذكم كما ان باللغو صلة له اى لا يؤاخذكم فى حق ايمانكم بسبب ما كان لغوا منها بان لا يتعلق بها حكم دنيوى ولا اخروى { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } اى بتقيدكم الايمان وتوثيقا بالقصد والنية والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتموها اذا حنثتم او بنكث او نقض ما عقدتم فحذف للعلم به وهذا اليمين هى اليمين المنعقدة وهى الحلف على فعل امر او تركه فى المستقبل { فكفارته } اى الفعلة التى تذهب اثمه وتستره وعند الامام لا يجوز التكفير قبل الحنث لقوله عليه السلام "من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير ثم ليكفر عن يمينه" { إطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون أهليكم } محل من اوسط النصب لانه صفة مفعول محذوف تقديره ان تطعموا عشرة مساكين طعاما كائنا من اوسط ما تطعمون من فى عيالكم من الزوجة والاولاد والخدم اى من اقصده فى النوع او المقدار وهو نصف صاع من بر لكل مسكين كالفطرة ولو اطعم فقيرا واحدا عشرة ايام اجزأه ولو اعطاه دفعة لا يجوز الا عن يوم واحد { او كسوتهم } عطف على اطعام فيكسو كل واحد من العشرة ثوبا يستر عامة بدنه وهو الصحيح ولا يجزىء السراويل لان لابسه يسمى عريانا عرفا { أو تحرير رقبة } اى او اعتاق انسان كيف ما كان مؤمنا كان او كافرا او انثى صغيرا او كبيرا ولا يجوز الاعمى والاصم الذى لا يسمع اصلا والاخرس لفوات جنس المنفعة ومقطوع اليدين او ابهاميهما او الرجلين او يد ورجل من جانب واحد ومجنون مطبق لان الانتفاع ليس الا بالعقل ومدبر وام ولد لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا ومكاتب ادى بعضا لانه تحرير بعوض فيكون تجارة والكفارة عبادة فلا بد ان تكون خالصة لله تعالى وكذا لا يجوز له تركها جميعا ومتى اتى بواحدة منها فانه يخرج عن العهدة فاذا اجتمعت هذه القيود الثلاثة فذاك هو الواجب المخير { فمن لم يجد } اى شيئاً من الامور المذكورة { فصيام } اى فكفارته صيام { ثلثة ايام } متتابعات عند الامام الاعظم { ذلك } اى الذى ذكرت لكم وامرتكم به { كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وحنثتم { واحفظوا ايمانكم } بان تضنوا بها ولا تبذلوها لكل امر وبان تبروا فيها ما استطعتم ولم يفت بها خير فان عجز عن البرّ او رأى غير المحلوف عليه خيرا منه فله حينئذ ان يحنث ويكفر كما قال الفقهاء من اليمين المنعقدة ما يجب فيه البر كفعل الفرائض وترك المعاصى لان ذلك فرض عليه فيتأكد باليمين. ومنها ما يجب فيه الحنث كفعل المعاصى وترك الواجبات وفى الحديث "من حلف ان يطيع الله فليطعه ومن حلف ان يعصيه فلا يعصه" .
ومنها ما يفضل فيه الحنث كهجران المسلم ونحوه وما عدا هذه الاقسام الثلاثة من الايمان التى يستوى فيها الحنث والبر يفضل فيه البر حفظا لليمين ولا فرق فى وجوب الكفارة بين العامد والناسى والمكره فى الحلف والحنث لقوله عليه السلام "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين"
.{ كذلك } اشارة الى مصدر الفعل الآتى لا الى تبيين آخر مفهوم مما سبق والكاف مقحمة لتأكيد ما افاده اسم الاشارة من الفحامة ومحله فى الاصل النصب على انه نعت لمصدر محذوف واصل التقدير يبين الله تبيينا كائنا مثل ذلك التبيين فقدم على الفعل لافادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة للنكتة المذكورة اى مثل ذلك البيان البديع { يبين الله لكم آياته } اعلام شريعته واحكامه لا بيانا ادنى منه { لعلكم تشكرون } نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج.
والاشارة ان من عقد اليمين على الهجران من الله تعالى فكفارته اطعامه عشرة مساكين وهم الحواس الخمس الظاهرة والباطنة فانها مدخل الآفات وموئل الفترات { من اوسط ما تطعمون اهليكم } وهم القلب والروح والسر والخفى وطعامهم الشوق والمحبة والصدق والاخلاص والتفويض والتسليم والرضى والانس والهيبة والشهود والكشوف واوسطه الذكر والتذكر والفكر والتفكر والتشوق والتوكل والتعبد والخوف والرجاء فاطعام الحواس الظاهرة والقوى الباطنة هذه الاطعمة باستعمالها فى التعبد بها والتحفظ عما ينافيها او كسوتهم وهى الباس الحواس والقوى بلباس التقوى او تحرير رقبة النفس عن عبودية الهوى والحرص على الدنيا فمن لم يجد السبيل الى هذه الاشياء فصيام ثلاثة ايام وذلك لان الايام لا خلو عن ثلاثة اما يوم مضى او يوم حضر او يوم قد بقى فصيام اليوم الذى قد مضى بالامساك عما عقد عليه او قصد اليه او بالصبر على التوبة عنه وصيام الذى قد حضر بالامساك عن التغافل عن الاهم وبالصبر على الجد والاجتهاد ببذل الجهد فى طلب المراد وصيام اليوم الذى قد بقى بالامساك عن فسخ العزيمة فى ترك الجريمة ونسخ الاخلاص فى طلب الخلاص وبالصبر على قدم الثبات فى تقديم الطاعات والمبرات وصدق التوجه الى حضرة الربوبية بمساعى العبودية

مكن وقت ضايع بافسوس وحيف كه فرصت عزيزست والوقت سيف

قال ابن الفارض قدس سره

وكن صارما كالوقت فالمقت فى عيسى واياك علّ فهى اخطر علة

وفى المثنوى

اى كه صبرت نيست از دنياى دون جونت صبرست ازخداى دوست جون
جونكه بى اين شرب كم دارى سكون جون زابرارى خدا وزيشرون

اعلم ان الطالب الصادق عند غلبات الشوق ووجدان الذوق يقسم عليه بجماله وجلاله ان يرزقه شظية من اقباله ووصاله وذلك فى شريعة الرضى لغو وفى مذهب التسليم سهو فيعفوا عنه رحمة عليه لضعف حاله ولا يؤاخذه بمقاله وان الاولى الذوبان والجمود بحسن الرضى بحسب جريان احكام المولى فى القبول والرد والاقبال والصدّ ايثار استقامة فى اداء حقوقه على الكرامة وعلى لذة تقريبه واقباله وشهوده ووصوله ووصاله كما قال قائلهم

اريد وصاله ويريد هجرى فاترك ما اريد لما يريد

كذا فى التأويلات النجمية.