التفاسير

< >
عرض

قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ
١٣٥
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل } لاهل مكة { يا قوم اعملوا على مكانتكم } المكانة مصدر بمعنى التمكن وهو القوة والاقتدار اى اعملوا على غاية تمكنكم ونهاية استطاعتكم يعنى اعملوا ما انتم عاملون واثبتوا على كفركم وعداوتكم { انى عامل } ما كتب على من المصابرة والثبات على الاسلام والاستمرار على الاعمال الصالحة. والامر للتهديد من قبيل الاستعارة تشبيها للشر المهدد عليه بالمأمور به الواجب الذى لا بد ان يكون.
قال فى التأويلات النجمية { اعملوا على مكانتكم } اى على ما جبلتم عليه نظيره قوله
{ { قل كل يعمل على شاكلته } [الإسراء: 84].
{ فسوف تعلمون من } استفهامية او موصولة { تكون له عاقبة الدار } اى اينا تكون له العاقبة المحمودة التى خلق الله تعالى هذه الدار لها او فسوف تعرفون الذى له العاقبة الحسنى فالدار دار الدنيا والعاقبة الاصلية لهذه الدار هى عاقبة الخير واما عاقبة السوء فمن نتائج تحريف الفجار { انه } اى ان الشان { لا يفلح } يسعد { الظالمون } اى الكافرون اى لا يظفرون بمرادهم وبالفارسى [بدرستى كه بيروزى ورستكارى نيابند ستمكاران يعنى كفار. صاحب كشف الاسرار فرموده كه هم درين روزى بدانيد كه دنيا كجارسد ودولت فلاح كرا رسد بينيد كه درويشان شكسته بال را بسراى كرامت جون خوانند وخواجكان صاحب اقبال را سوى زندان ندامت جون رانند]

باش تاكل يابى آنهاراكه امر وزندجزو باش تاكل بينى انهارا كه امر وزندخار
تاكه ازدار الغرورى ساختن دار السرور تاكى ازدار الفرارى ساختن دار القرار

وليس الفلاح الا فى العلم والعمل وترك الدنيا والكسل والذلل ـ حكى ـ عن بعضهم انه دخل عليه بعض الفقرا ولم يجد فى بيته شيئاً من المتاع فقال امالكم شئ قال بلى لنا داران احداهما دار امن والاخرى دار خوف فما يكون لنا من الاموال ندخره فى دار الامن يعنى نقدمه للدار الآخرة فقال له انه لا بد لهذا المنزل من متاع فقال ان صاحب هذا المنزل لا يدعنا فيه وذلك ان الدنيا عارية ولا بد للمعير ان يرجع فى عاريته فعاقبة الدار انما هى للاخيار الابرار الذين عملوا لله فى ليلهم ونهارهم ولم ينقطعوا عن التوجه اليه حال سكونهم وقرارهم. وكان شاب يجتهد فى العبادة فقيل له فى ذلك فقال رأيت فى منامى قصرا من قصور الجنة مبنيا بلبنة من ذهب ولبنة من فضة وكذلك شراريفه وبين كل شرافتين حورية لم ير الراؤون مثلها لما بها من الحسن والجمال وقد ارخين ذوائب شعورهن فتبسمت احداهن فى وجهى فانارت الجنة بنور ثناياها ثم قالت يا فتى جد لله تعالى فى طلبى لاكون لك وتكون لى فاستيقظت فحقيق على ان اجد فاذا كان هذا الاجتهاد فى طلب حورية فكيف بمن يطلب رب الحورية

فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد

فظهر ان الاجتهاد فى طريق الحق له عاقبة حميدة فانه موصل الى الجنة والقربة والوصلة فسيظهر اثره فى الدار الآخرة. واما الظالمون الذين افسدوا استعداداتهم بما عملوا من المعاصى فانهم لا يفلحون بمثل هذه السعادة الى دار البوار وحالهم فى الدنيا هى الخسارة لا غير فان الباطل يفور ثم يغور والدولة فى الدنيا والآخرة لاهل الايمان والخلاص من التنزل لا يحصل الا بالايمان فمن دخل فى حصن الايمان وقوة اليقين يترقى الى ما شاء الله تعالى من الدرجات والشيطان وان كل ينبح عليه خارج الحصن لكنه لا يضره وفى الحديث "جددوا ايمانكم"
.والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قد تم بالاول ولكن الايمان على ثمانى عشرة مرتبة العناية من الله تعالى وتوحيد كل شخص على قدر يقينه وهو قد يكون على قدر يقينه فى ملك وجوده وقد لا يكون على قدر هذا اليقين فالذين يظهرون الدعوى فتوحيدهم فى ملك وجودهم فقط فلو انهم جاوزوا الى هذا اليقين لندموا عليها ورغبوا عن انفسهم. فعلى العاقل ان لا يسامح فى باب الدين بل يجتهد فى تحصيل اليقين فان الاجتهاد باب لهذا التحصيل ووسيلة فى طريقه التكميل وان كان الله تعالى هو الموصل برحمته الخاصة والمؤثر فى كل الامور اللهم اجعلنا من اهل التوحيد الحقانى وشرفنا بالايمان العيانى فانك الغنى ونحن الفقراء.