التفاسير

< >
عرض

أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ
١٥٧
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ او تقولوا لو أنا انزل علينا الكتاب } كما انزل عليهم { لكنا أهدى منهم } الى الحق الذى هو المقصد الاقصى او الى ما فى تضاعيفه من جلائل الاحكام والشرائع ودقائقها لحدة اذهاننا ونقابة افهامنا ولذلك تلقفنا فنونا من العلم كالقصص والاشعار والخطب مع انا اميون { فقد جاءكم } متعلق بمحذوف معلل به اى لا تعتذروا بذلك القول فقد جاءكم { بينة } كائنة { من ربكم } اى حجة واضحة { وهدى ورحمة } عبر عن القرآن بالبينة ايذانا بكمال تمكنهم من دراسته لانه على لغتهم ثم بالهدى والرحمة { فمن ظلم } اى لا احد اظلم { ممن كذب بآيات الله } اى القرآن { وصدف عنها } اى صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والاضلال. فى القاموس صدف عنه يصدف اعرض وفلانا صرفه { سنجزى الذين } بالفارسى [زود باشدكه جزادهم آنراكه] { يصدفون } الناس { عن آياتنا } وعيد لهم ببيان جزاء اضلالهم بحيث يفهم منه جزاء ضلالتهم ايضا { سوء العذاب } اى شدته { بما كانوا يصدفون } اى بسبب ما كانوا يفعلون الصدف والصرف على التجدد والاستمرار. فعلى العاقل ان يعمل بالقرآن ويرغب غيره بقدر الامكان لانه يكون شريكه فى الثواب الفائض من الله الوهاب والمعرض عن القرآن الذى هو غذاء الارواح كالمعرض عن شراب السكر الذى هو غذاء الاشباح. وله ظاهر فسره العلماء وباطن حققه اهل التحقيق وكل قد علم مشربه وفى الحديث "انزل القرآن على سبعة احرف"
.اى على سبع لغات وهى لغات العرب المشهورين بالفصاحة من قريش وهذيل وهوازن واليمن وطى وثقيف تسهيلا وتيسيرا ليقرأ كل طائفة بما يوافق لغتهم بشرط السماع من النبى عليه السلام اذ لو كلفوا القراءة بحرف واحد لشق عليهم اذ الفطام عن المألوف شاق او على سبع قراءات وهى التى استفاضت عن النبى عليه السلام وضبطتها الامة واضافت كل حرف منها الى من كان اكثر قراءة به من الصحابة ثم اضيفت كل قراءة منها الى من اختارها من القراء السبعة وهم نافع وابن كثير وابو عمر وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائى ويقال ان جاحد القراآت السبع كافر وجاحد الباقى آثم مبتدع.
ولما تنزل القرآن العظيم من عالم الحقيقة كتب فى جميع الالواح وفى لوح هذا التعين حتى فى لوح وجودك واودع القابلية فى كل منها لقرآته ومعرفته والمقصود الاصلى هو العمل به والتخلق باخلاقه دون تصحيح المخرج ورعاية ظاهر النظم فقط: ونعم قول من قال

نقد عمرش زفكرت معوج خرج شد در رعايت مخرج
صرف كردش همه حيات سره در قرا آت سبعه وعشره

قال الحافظ

عشقت رسد بفريادكر خود بسان حافظ قرآن زبربخوانى درجازده روايت

وفى الحديث "لو كان القرآن فى اهاب ما مسته النار"
.قال القاضى البيضاوى اى لو صور القرآن وجعل فى اهاب والقى فى النار ما مسته ولا احرقته ببركة القرآن فكيف بالمؤمن الحامل له المواظب على تلاوته. وعن على رضى الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم فى الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات ـ وروى ـ عن بعض الاخيار من اهل التلاوة للقرآن الكريم انه لما حضرته الوفاة كان كلما قالوا قل { { لا اله إلا الله } [الصافات: 35] قال { { طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى } [طه: 1] الى قوله { { الله لا اله الا هو له الاسماء الحسنى } [طه: 8].
فلم يزل يعيدها كلما اعادوا عليه حتى مات على هذه الآية الكريمة فظهر ان الموت على ما عاش عليه الشخص.
وكان حرفة رجل يبيع الحشيش وهو غافل عن الله فلما حضرته الوفاة كان كلما قيل له قل لا اله الا الله قال حزمة بفلس نسأل الله تعالى التوفيق للموت على الاسلام.