التفاسير

< >
عرض

مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦٠
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ من جاء بالحسنة } اى من جاء يوم القيامة بالاعمال الحسنة من المؤمنين اذ لا حسنة بغير ايمان. قال القاضى عياض انعقد الاجماع على ان الكفار لا تنفعهم اعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم يكون اشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم انتهى نعم اذا اسلموا يثابون على الخيرات المتقدمة لما ورد فى الحديث "حسنات الكفار مقبولة بعد اسلامهم " .
وفى تفسير الكاشفى [هركه بيايد دردنيا بنكوبى] { فله عشر امثالها } اى فله عشر حسنات امثالها فضلا من الله تعالى فالامثال ليس مميزا للعشر بل مميزها هو الحسنات والامثال صفة لمميزها ولذا لم يذكر التاء للعشر. وقيل انما انث عشر وان كان مضافا الى ما مفرده مذكر لاضافة الامثال الى مؤنث هو ضمير الحسنة كقوله تعالى { { يلتقطه بعض السيارة } [يوسف: 10].
{ ومن جاء بالسيئة } اى بالاعمال السيئة كائنا من كان من العاملين { فلا يجزى الا مثلها } بحكم الوعد واحدة بواحدة. فان قيل كفر ساعة يوجب عقاب الابد على نهاية التغليظ فما وجه المماثلة.
واجيب بان الكافر على عزم انه لو عاش ابدا لبقى على ذلك الاعتقاد فلما كان العزم مؤبدا عوقب بعقاب الابد بخلاف المسلم المذنب فانه يكون على عزم الاقلاع عن ذلك الذنب فلا جرم كانت عقوبته منقطعة { وهم لا يظلمون } بنقص الثواب وزيادة العقاب.
قال الحدادى وانما قال ذلك لان التفضل بالنعم جائز والابتداء بالعقاب لا يجوز انتهى.
واعلم ان الحسنات العشر اقل ما وعد من الاضعاف: قال السعدى قدس سره

نكوى كارى از مردم نيك راى يكى را يده مينويسد خداى
تونيز اى بسر هر كرايك هنر به بينى زده عيبش اندر كذر

وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر فى العدد الخاص كما يقول القائل لئن اسديت الىّ معروفا لاكافئنك بعشر امثاله وحكمة التضعيف لئلا يفلس العبد اذا اجتمع الخصماء فى طاعته فيدفع اليهم واحدة ويبقى له تسع فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من اصل حسناته لان التضعيف فضل من الله تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة وفى الحديث "ويل لمن غلب آحاده على اعشاره"
.اى سيآته على حسناته وفى الحديث "الاعمال ستة موجبتان ومثل بمثل وحسنة بحسنة وحسنة بعشر وحسنة بسبعمائة فاما الموجبتان فهو من مات ولا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات وهو مشرك بالله دخل النار واما مثل بمثل فمن عمل سيئة فجزاء سيئة مثلها واما حسنة بحسنة فمن هم بحسنة حتى تشعر بها نفسه ويعلمها الله من قلبه كتبت له حسنة واما حسنة بعشر فمن عمل حسنة فله عشر امثالها واما حسنة بسبعمائة فالنفقة فى سبيل الله" .

كنون بركف دست نه هرجه هست كه فردا بدندان كزى بشت دست

قال فى اسئلة الحكم اعلم ان الشارع قد يرتب الثواب للعمل لئلا يترك بل يرغب فيه فلا يكون ذلك العمل افضل من العمل المؤكد عليه الذى لم يترتب عليه ذلك الثواب فمن ذلك قوله عليه السلام "من صلى الضحى اثنتى عشرة ركعة بنى الله له بيتاً فى الجنة من ذهب"
.مع ان السنة الراتبة لفرض الظهر افضل من الضحى ومن ذلك قوله عليه السلام "من صلى ست ركعات بين المغرب والعشاء كتب الله له عبادة اثنتى عشرة سنة" .
مع ان سنة المغرب افضل من ذلك وانما رتب الثواب على ذلك لكثرة الغفلة فيه وامثال ذلك كثيرة فى الاخبار فلا يفضل على الراتب المؤكد وان لم يعين اجره غير الراتب من النوافل وان رتب اجره وقد اتفق اهل العلم انه لا يبلغ حد الفرض واجب وسنة راتبة او غير راتبة فى الاجر والفضيلة فى عمل او حكم ولا يبلغ مرتبة الراتبة نقل من الاحكام وان لم يتعين قدر اجرها فان السنن شرعت لتتميم نقائض الفرائض والنوافل الغير الراتبة لتتميم نقائص السنن الراتبة فلا ينوب نفل مناب فرض يجب قضاؤه فرض لا يسقط بالنوافل كما يزعم بعض العوام يترك الفرائض ويرغب فى النوافل مما ورد كثرة الاجر عليه كالصلاة بعد المغرب بزعم سقوط الفرائض بها وتنوب مناب القضاء وذلك غير مشروع اصلا وترتيب اجور الاعمال والاذكار موقوف على الوحى والالهام لا قدم فيه لتخمين العقول.
والاشارة فى الآية ان الله تعالى من كمال احسانه مع العبد احسن اليه بعشر حسنات قبل ان يعمل العبد حسنة واحدة فقال تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر امثالها } يعنى قبل ان يجئ بحسنة احسن اليه بعشر حسنات حتى يقدر ان يجيء بالحسنة وهى حسنة الايجاد من العدم وحسنة الاستعداد بان خلقه فى احسن تقويم مستعدا للاحسان وحسنة التربية وحسنة الرزق بعثة الرسل وحسنة انزال الكتب وحسنة تبيين الحسنات والسيآت وحسنة التوفيق وحسنة الاخلاص فى الاحسان وحسنة قبول الحسنات { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها } والسر فيه ان السيئة بذر يزرع فى ارض النفس والنفس خبيثة لانها امارة بالسوء والحسنة بذر يزرع فى ارض القلب والقلب طيب لان بذكر الله تطمئن القلوب وقد قال تعالى
{ { والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذى خبث لا يخرج الا نكدا } [الأعراف: 58].
واما ما جاء فى القرآن والحديث من تفاوت الجزاء للحسنات.
فاعلم انه كما ان للاعداد اربع مراتب آحاد وعشرات ومآت والوف والواحد فى مرتبة الآحاد واحد بعينه وفى مرتبة العشرات عشرة وفى مرتبة المآت مائة وفى مرتبة الالوف الف فكذلك للانسان مراتب اربع النفس والقلب والروح والسر فالعمل الواحد فى مرتبة النفس اى اذا صدر منها يكون واحدا بعينه كما قال
{ { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى: 40].
إذا هى فى مرتبة الاحاد وفى مرتبة القلب يكون بعشر امثالها لانه بمرتبة العشرات وفى مرتبة الروح يكون بمائة لانه بمرتبة المآت وفى مرتبة السر يكون بالف الى اضعاف كثيرة بقدر صفاء السر وخلوص النية الى ما يتناهى لانه بمنزلة الالوف والله اعلم { وهم لا يظلمون } المعنى ان الله تعالى قد احسن اليهم قبل ان يحسنوا بعشر حسنات شاملات للحسنات الكثيرة فلا يظلمهم بعد ان احسنوا بل يضاعف حسناتهم يدل عليه قوله تعالى
{ { ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما } [النساء: 40].
كذا فى التأويلات النجمية.