التفاسير

< >
عرض

قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ
٣١
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } اى قد غبن الذين كذبوا بالبعث بعد الموت { حتى اذا جاءتهم الساعة } غاية لتكذيبهم لا لخسرانهم فانه ابدى لا حد له { بغتة } حال من فاعل جاءتهم اى باغتة مفاجئة والبغت والبغتة مفاجأة الشى بسرعة من غير ان يشعر به الانسان حتى لو كان له شعور بمجيئه ثم جاءه بسرعة لا يقال فيه بغتة والوقت الذى تقوم فيه القيامة يفجأ الناس فى ساعة لا يعلمها احد الا الله تعالى فلذلك سميت ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم وسميت الساعة ساعة لسعيها الى جانب الوقوع ومسافته الانفاس والمعنى انهم قد كذبوا الى ان ظهرت الساعة بغتة. فان قيل انما يكذبون الى ان يموتوا والجواب ان زمان الموت آخر زمان من ازمنة الدنيا واول زمان من ازمنة الآخرة فمن انتهى تكذيبه الى هذا الوقت صدق انه كذب الى ان ظهرت الساعة بغتة ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "من مات فقد قامت قيامته" { قالوا } جواب اذا { يا حسرتنا } الحسرة هى شدة الندم والتألم ونداؤها مجاز لان الحسرة لا يتأتى منها الاقبال وانما المعنى على المبالغة فى شدة التحسر كأنهم نادوا الحسرة وقالوا ان كان لك وقت فهذا اوان حضورك ومثله يا ويلتنا والمقصود التنبيه على خطأ المنادى حيث ترك ما احوجه تركه الى نداء هذه الاشياء { على ما فرطنا فيها } اى على تفريطنا فى شان الساعة وتقصيرنا فى مراعاة حقها والاستعداد لها بالايمان بها واكتساب الاعمال الصالحة فعلى متعلق بالحسرة وما مصدرية والتفريط التقصير فى الشئ مع القدرة على فعله { وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم } حال من فاعل قالوا. والاوزار جمع وزر وهو فى الاصل الحمل الثقيل يقال وزرته اى حملته ثقيلا ومنه وزير الملك لانه يتحمل اعباء ما قلده الملك من مؤونة رعيته وحشمه سمى به الاثم والذنب لغاية ثقله على صاحبه والحمل من توابع الاعيان الكثيفة لا من عوارض المعانى فلا يوصف به العرض الاعلى سبيل التمثيل والتشبيه وذكر الظهور كذكر الايدى فى قوله تعالى { { فبما كسبت أيديكم } [الشورى: 30] فان المعتاد حمل الأثقال على الظهور كما ان المألوف هو الكسب بالايدى. والمعنى انهم يتحسرون على ما لم يعملوا من الحسنات والحال انهم يحملون اوزار ما عملوا من السيئات { ألا سآء ما يزرون } اى بئس شيئاً يزرون اى يحملون وزرهم. قال السدى وغيره ان المؤمن اذا خرج من قبره استقبله احسن شئ صورة واطيبه ريحا فيقول هل تعرفنى فيقول لا فيقول انا عملك الصالح فاركبنى فقد طالما ركبتك فى الدنيا فذلك قوله تعالى { { يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا } [مريم: 85] اى ركبانا. واما الكافر فيستقبله اقبح شئ صورة وانتنه ريحا فيقول هل تعرفنى فيقول لا فيقول انا عملك الخبيث طالما ركبتنى فى الدنيا وانا اليوم اركبك فهو معنى قوله تعالى { { وهم يحملون } [الأَنعام: 31] الخ.
فيكون الحمل على حقيقته لان للاعمال صورا تظهر فى الآخرة وان كان نفسها اعراضا. واعلم ان الاوزار كثيرة لكن ذنب الوجود فوق الكل اذ هو الباعث على سائر الاوزار وهو ثقل مانع عن السلوك فعلى السالك ان يتوب عن الكل ويفنى فى طريق الحق فناء كليا: قال الحافظ

فكر خوددو رأى خود در عالم رندى نيست كفرست درين مذهب خود بينى وخود رأيى

قال بعضهم لا يمكن الخروج من النفس بالنفس وانما يمكن الخروج من النفس بالله تعالى. قال الشيخ ابو عبدالله محمد بن على الترمذى الحكيم قدس سره ذكر الله تعالى يرطب القلب ويلينه فاذا خلا عن الذكر اصابته حرارة النفس ونار الشهوات فقسا ويبس وامتنعت الاعضاء من الطاعة فاذا مددتها انكسرت كالشجرة اذا يبست لا تصلح الا للقطع وتصير وقودا للنار اعاذنا الله منها فالذكر والتوحيد والاتباع الى اهله هو اصل الاصول ـ حكى ـ عن على بن الموفق انه قال حججت سنة من السنين فى محمل فرأيت رجالا فاحببت المشى معهم فنزلت واركبت واحدا فى المحمل ومشيت معهم فتقدمنا الى البرية وعدلنا عن الطريق فنمنا فرأيت فى منامى جوارى معهن طشوت من ذهب واباريق من فضة يغسلن ارجل المشاة فبقيت انا فقالت احداهن لصواحبها أليس هذا منهم قلن هذا له محمل فقالت بلى هو منهم لانه احب المشى معهم فغسلن رجلى فذهب عنى كل تعب كنت اجده هذه حال من مشى مع ولى باعتقاد صحيح فكيف مع نبى فلو ان كفار مكة ومشركى العرب استمعوا الى النبى عليه السلام واتبعوا الذكر الذى انزل اليه لنجوا واسقطوا كل حمل عن ظهورهم ومشوا الى جنة الفردوس لكن الله تعالى يهدى من يشاء.