التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٧
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقالوا } اى رؤساء قريش { لولا } تحضيضية بمعنى هلا { نزل عليه آية من ربه } كالناقة والعصا والمائدة من الخوارق الملجئة الى الايمان { قل } لهم { ان الله قادر على ان ينزل آية } كما اقترحوا { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ان نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم ان جحدوها. اعلم ان الناس فى الاديان على اربعة اقسام. سعيد بالنفس والروح فى لباس السعادة وهم الانبياء واهل الطاعة. والثانى شقى بالنفس فى لباس الشقاوة وهم الكفار والمصرون على الكبائر. والثالث شقى بالنفس فى لباس السعادة مثل بلعم بن باعورا وبر صيصا وابليس. والرابع سعيد بالنفس فى لباس الشقاوة كبلال وصهيب وسلمان فى اوائل امرهم ثم بدل لباسهم بلباس التقوى والهداية. فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى خلق الخلق سعيدا وشقيا وقال { { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } [الأَنعام: 35] { { فلو شاء لهداكم أجمعين } [الأَنعام: 149].
قلنا قال عبدالله بن عمر رضى الله عنهما ان الله تعالى علم فى الازل ان فلانا فى خلقه يعصى لعدم سبق استعداده للسعادة فجعله شقيا لسبق القضاء عليه بمقتضى استعداده فى الاعيان الثابتة ومظهرية استعداده لشؤون الجلال كأنه بلسان الاستعداد كونه شقيا يسأله من فى السموات والارض بلسان القال والحال والاستعداد كل يوم هو فى شأن يفيض ويعطى كل شئ ما يستعد من السعادة والشقاوة على حسب الاستعدادات فى الاعيان الثابتة الغيبية العلمية وعلم سبحانه وتعالى ان عبده يطيع فجعله سعيدا اى بمقتضى استعداده للسعادة الاجمالى والقابلية المودعة فى النشأة الانسانية بقوله
{ { ألست بربكم قالوا بلى } [الأَعراف: 172].
فتلك الاجابة منهم تدل على الاستعداد السعادى الازلى فلو لم يكن ذلك لما صح التكليف والخطاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب فاذا عرفت ان الانسان سعيد وشقى فاستعداد السعيد لا يعطى الا الاقوال المرضية والافعال الحسنة والاخلاق الحميدة التى تورث الانبساط واستعداد الشقى لا يعطى الا التى تورث الانقباض فلذا امر الله تعالى حبيبه بالصبر وتحمل الايذاء من اهل الشقاوة والقهر والجلال والابتلاء فى الدنيا سبب للغفران وتكميل الدرجات التى لا تنال فى الجنان الا على قدر البلاء وفى الخبر (ان فى الجنة مقامات معلقة فى الهواء يأوى اليها اهل البلاء كالطير الى وكره ولا ينالها غيرهم) وان الرجل يبتلى على حسب دينه فان كان فى دينه صلابة اشتد بلاؤه وان كان فى دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى وما عليه خطيئة والبلاء سوط الله على عباده كيلا يركنوا الى الدنيا ولا يشغلوا بها ويفروا الى الله من ضرب سوطه كما يفر الخيل الى مستقره والآخرة هى دار القرار

ما بلارا بكس عطا نكنيم تاكه نامش زاوليا نكنيم

وبالجملة فمن ابتلى بشئ من المصائب والبلايا فالعاقبة حميدة فى الصبر وبالصبر يكون من الامة المرحومة حقيقة ويدخل فى اثر النبى عليه السلام.