التفاسير

< >
عرض

وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
٥١
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ وانذر به } اى خوف من العذاب بما يوحى { الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم } اى يبعثو ويجمعوا الى ربهم اى الى موضع لا يملك احد فيه نفعهم ولا ضرهم الا الله تعالى. وقيل يخافون يعلمون لان خوفهم انما كان من علمهم { ليس لهم من دونه ولى } قريب ينفعهم { ولا شفيع } يشفع لهم وجملة النفى اى ليس فى موضع الحال من ضمير يحشرون فان المخوف هو الحشر على هذه الحال. وقوله من دونه حال من اسم ليس اى متجاوزا لله تعالى والمراد بالموصول المؤمنون العاصون كما فى اكثر التفاسير وانما نفى الشفاعة لغيره مع ان الانبياء والاولياء يشفعون كما هو مذهب اهل السنة لانهم لا يشفعون الا باذنه فكانت الشفاعة فى الحقيقة من الله تعالى. وقال المولى ابو السعودرحمه الله المراد بالموصول المجوزون من الكفار للحشر سواء كانوا جارمين باصله كاهل الكتاب وبعض المشركين المعترفين بالبعث المترددين فى شفاعة آبائهم الانبياء كالاولين او فى شفاعة الاصنام كالآخرين او مترددين فيهما معا كبعض الكفرة الذين يعلم من حالهم انهم اذا سمعوا بحديث البعث يخافون ان يكون حقا واما المنكرون للحشر رأسا والقائلون به القاطعون بشفاعة آباهم او بشفاعة الاصنام فهم خارجون ممن امر بانذارهم انتهى فالكلام على هذا ظاهر لان الظالمين ليس لهم من حميم ولا شفيع يطاع { لعلهم يتقون } تعليل للامر اى انذرهم لكى يتقوا الله باقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات او يتقوا الكفر والمعاصى والاشارة ان الله تعالى امر نبيه عليه السلام ان يكلم الكفار على قدر عقولهم فقال { { قل لا أقول لكم عندى خزائن الله } [الأنعام: 50].
على انها عندى ولكن لا اقول لكم وهى علم حقائق الاشياء وما هياتها وقد كان عنده فى اراءة سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم وفى اجابة قوله عليه السلام
"ارنا الاشياء كما هى"
.فى قوله "اوتيت جوامع الكلم" وما امره الله تعالى ان قل ليس عندى خزائن الله. قال حضرة الشيخ الأكبر قُدس سِرَهُ الأطهر "ولا تبذر الاسرار" يعنى بيان الحقائق الذى هو غذاء القلب والروح كالسمراء يعنى الحنطة للجسم "فى ارض عميان" يعنى فى ارض استعداد هؤلاء الطوائف الذين لا يبصرون الحق ولا يشاهدونه فى جميع الاشياء كما فى شرح الفصوص للمولى الجامى قدس سره: قال السعدى قدس سره

دريغست باسفله كفت از علوم كه ضايع شود تخم درشوره بوم

ولا اعلم الغيب فانه صلى الله عليه وسلم كان يخبر عما مضى وعما سيكون باعلام الحق وقد "قال عليه السلام ليلة المعراج قطرت فى حلقى قطرة علمت ما كان وما سيكون" فمن قال ان نبى الله لا يعلم الغيب فقد اخطأ فيما اصاب ولا اقول لكم انى ملك وان كنت قد عبرت عن مقام الملك حين قلت لجبرائيل تقدم فقال لو دنوب انملة لاحترقت: كما قال السعدى قدس سره

شبى برنشست ازفلك بركذشت بتمكين وجاه ازملك دركذشت
جنان كرم درتيه قربت براند كه درسدره جبريل ازو بازماند

ان اتبع الا ما يوحى الى يعنى لا اخبركم عن مقاماتى واحوالى مما لى مع الله وقد لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل الا عما يوحى الى ان اخبركم وكيف اخبركم عما اعمى الله بصائركم عنه وانابه بصير فلا يستوى الاعمى والبصير ثم قال وانذر به يعنى اخبر بهذه الحقائق والمعانى الذين يخافون اى يرجون ان يحشروا الى ربهم بجذبات العناية ويتحقق لهم ليس لهم فى الوصول الى الله من دونه ولى يعنى من الاولياء ولا شفيع يعنى من الانبياء لان الوصول لا يمكن الا بجذبات الحق لعلهم يتقون عما سوى الله بالله فى طلب الوصول. قال السرى السقطى قدس سره خرجت يوما الى المقابر فاذا ببهلول فقلت له اى شئ تصنع هنا قال اجالس قوما لا يؤذوننى وان غبت لا يغتابوننى فقلت له تكون جائعا فولى وانشأ يقول

تجوع فإن الجوع من عمل التقى وان طويل الجوع يوما سيشبع

قيل مثل الصالحين وما زينهم الله به دون غيرهم مثل جند قال لهم الملك تزينوا للعرض على غدا فمن كانت زينته احسن كانت منزلته عندى ارفع ثم يرسل الملك فى السر بزينة عنده ليس عند الجند مثلها الى خواص مملكته واهل محبته فاذا تزينوا بزينة الملك فخروا سائر الجند عند العرض على الملك فهذا مثل من وفقهم الله تعالى للاعمال الصالحة والاحوال الزكية ولا حاجة لهم ان يصفوا ما عندهم الى عامة الناس فان علمهم بذلك كاف وسيظهر يوم العرض الاكبر وعند الكثيب الاحمر

اولئك خدام كرام وسادة ونحن عبيد السوء بئس عبيد