التفاسير

< >
عرض

قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ
٥٨
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل لو ان عندى } اى فى قدرتى ومكنتى { ما تستعجلون به } من العذاب الذى ورد به الوعيد بان يكون امره مفوصا الى من جهته عز وجل { لقضى الأمر بينى وبينكم } اي بان ينزل ذلك عليكم اثر استعجالكم بقولكم متى هذا الوعد ونظائره. وفى بناء الفعل للمفعول من الايذان بتعين الفاعل الذى هو الله سبحانه وتهويل الامر ومراعاة حسن الادب ما لا يخفى { والله أعلم بالظالمين } اى بحالهم وبانهم مستحقون للامهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب ولذلك لم يفوض الامر الىّ فلم يقض الامر بتعجيل العذاب فعابد الاصنام سواء امهل او لا يذوق العذاب ولا يتخلص منه اصلا وكذا عابد الدنيا والنفس والشيطان والهوى فان ذلك فى نار الجحيم وهذا فى نار الفراق العظيم. فعلى العاقل ان لا يتبع الهوى كما امر الله تعالى فقال { { قل لا أتبع أهواءكم } [الأنعام: 56].
قال بعضهم جزت مرة ببلاد السواد فرأيت شيخا جالسا فى الهواء فسلمت عليه فرد السلام على فقلت له بم جلست فى الهواء قال خالفت الهوى فاسكنت فى الهواء. وجاء جماعة من فقهاء اليمن الى الشيخ الكبير ابى الغيث قدس سره يمتحنونه فى شئ فلما دنوا منه قال مرحبا بعبيد عبدى فاستعظموا ذلك فلحقوا شيخ الطرقين وامام الفريقين العالم العارف ابا الذبيح اسماعيل بن محمد الحضرمى فأخبروه بما قال الشيخ ابو الغيث لهم فضحك الشيخ وقال صدق الشيخ انتم عبيد الهوى والهوى عبده وانما يتخلص المرء من الهوى بالتقوى: وفى المثنوى

جونكه تقوى بست دودست هوا حق كشايد هردودست عقل را
بس حواس بيره محكوم توشد جون خرد سالار ومخذوم توشد

واعلم ان الهوى من اوصاف النفس فالآيات متعلقة باصلاح النفس ومن كان على بينة من ربه وهى فى الحقيقة النور الذى ينشرح به الصدر يكون على الهدى لا على الهوى وله علامات كما لا يخفى ـ حكى ـ ان بعض الصالحين كان يتكلم على الناس ويعظهم فمر عليه فى بعض الايام يهودى وهو يخوفهم ويقرأ قوله تعالى { { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا } [مريم: 71].
فقال اليهودى ان كان هذا الكلام حقا فنحن وانتم سواء فقال له الشيخ لا ما نحن سواء بل نحن نرد ونصدر وانتم تردون ولا تصدرون ننجو نحن منها بالتقوى وتبقون انتم فيها جثيا بالظلم ثم قرأ الآية الثانية
{ { ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا } [مريم: 72].
فقال اليهودى نحن المتقون فقال له الشيخ كلا بل نحن وتلا قوله تعالى
{ { ورحمتى وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } [الأعراف: 156].
الى قوله تعالى
{ { الذين يتبعون الرسول النبى الأمى } [الأعراف: 157].
فقال اليهودى هات برهانا على صدق هذا فقال له الشيخ البرهان حاضر يراه كل ناظر وهو ان تطرح ثيابى وثيابك فى النار فمن سلمت ثيابه فهو الناجى منها ومن احرقت ثيابه فهو الباقى فيها فنزعا ثيابهما فاخذ الشيخ ثياب اليهودى ولفها ولف عليها ثيابه ورمى الجميع فى النار ثم دخل النار فاخذ الثياب ثم خرج من الجانب الآخر ثم فتحت الثياب فاذا ثياب الشيخ المسلم سالمة بيضاء قد نظفتها النار وازالت عنها الوسخ وثياب اليهودى قد صارت حراقة مع انها مستورة وثياب الشيخ المسلم ظاهرة للنار فلما رأى ذلك اسلم والحمد لله فهذه الحكاية مناسبة لما ذكر من الآيات اذ كفار قريش كانوا من اهل الظلم والهوى فلم ينفعهم دعواهم فصاروا الى العذاب والمؤمنون كانوا من اهل العدل والبينة والهدى فانتج تقواهم ووصلوا الى جنات مفتحة لهم الابواب ومن سلم لباسه من النار سلم وجوده بالطريق الاولى بل الثوب فى الحقيقة هو الوجود الظاهرى الذى استتر به الروح الباطنى فلا بد من تطهيره المؤدى الى تطهير الباطن يسره الله.