التفاسير

< >
عرض

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ
٥٩
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ وعنده } اى الله تعالى خاصة { مفاتح الغيب } اى خزائن غيوبه. جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن والكنز والاضافة من قبيل لجين الماء وهو المناسب للمقام كما فى حواشى سعدى جلبى المفتى ويجوز ان يكون جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح اى آلة الفتح فالمعنى ما يتوصل به التخييل ولما كان عنده تلك المفاتح كان المتوصل الى ما فى الخزائن من المغيبات هو لا غير كما فى حواشى ابن الشيخ { لا يعلمها الا هو } تأكيد لمضمون ما قبله. قال فى تفسير الجلالين وهى الخمسة التى فى قوله تعالى { { إن الله عنده علم الساعة } [لقمان: 34] الآية.
روى البخارى قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
"مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله لا يعلم ما فى الارحام الا الله ولا يعلم ما فى غد الا الله ولا يعلم متى يأتى المطر الا الله ولا يدرى بأى ارض تموت النفس الا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله" { ويعلم ما فى البر والبحر } من الموجودات مفصلة على اختلاف اجناسها وانواعها وتكثير افرادها وهو بيان لتعلق علمه تعالى بالمشاهدات اثر بيان تعلقه بالمغيبات تكملة له وتنبيها عن ان الكل بالنسبة الى علمه المحيط سواء فى الجلاء { وما تسقط من } زائدة { ورقة الا يعلمها } يريد ساقطة وثابتة يعنى يعلم عدد ما يسقط من ورق الشجر وما يبقى عليه وهى مبالغة فى احاطة علمه بالجزئيات { ولا حبة } عطف على ورقة وهى بالفارسية [دانه] { فى ظلمات الأرض } اى كائنة فى بطونها. قال الكاشفى [مراد تخميست كه در زمين افتد] { ولا رطب } عطف على ورقة ايضا وهو بالفارسية [ثر] { ولا يابس } بالفارسية [خشك] اى ما يسقط من شئ من هذه الاشياء الا يعلمه. قال الحدادى الرطب واليابس عبارة عن جميع الاشياء التى تكون فى السموات وفى الارض لانها لا تخلو من احدى هاتين الصفتين انتهى فيختصان بالجسمانيات اذا الرطوبة واليوبسة من اوصاف الجسمانيات { إلا فى كتاب مبين } هو اللوح المحفوظ فهو بدل اشتمال من الاستثناء الاول او هو علمه تعالى فهو بدل منه بدل الكل. وقرئ ولا رطب ولا يابس بالرفع على الابتداء والخبر الا فى كتاب وهو الانسب بالمقام لشمول الرطب واليابس حينئذ لما ليس من شأنه السقوط. قال الحدادى فان قيل ما الفائدة فى كون ذلك فى اللوح مع ان الله تعالى لا يخفى عليه شئ وان كان عالما بذلك قبل ان يخلقه وقبل ان يكتبه لم يكتبها ليحفظها ويدرسها قيل فائدته ان الحوادث اذا حدثت موافقة للمكتوب ازدادت الملائكة بذلك علما ويقينا بعظيم صفات الله تعالى يقول الفقير ان الملائكة ليست من اهل الترقى والتنزل فقصر الفائدة على ذلك مما لا معنى له بل نقول ان اللوح قلب هذا التعين كقلب الانسان قد انتقش فيه ما كان وما سيكون وهو من مراتب التنزلات فقد ضبط الله فيه جميع المقدورات الكونية لفوائد ترجع الى العباد يعرفها العلماء بالله: قال الحافظ

معرفت نيست درين قوم خدايا سببى تابرم كوهر خودرا بخريدار ديكر

والاشارة فى الآية ان الله تعالى جعل لكل شئ من المكونات شهادة تناسب ذلك الشئ وغيبا مناسبا له وجعل لغيب كل مفتاحا يفتح به باب غيب ذلك الشئ وشهادته فينفعل ذلك الشئ كما اراده الله فى الازل وقدره { وعنده مفاتح } ذلك { الغيب لا يعلمها الا هو } لانه لا خالق الا هو ليس لنبي ولا لولى مدخل فى علم هذه المفاتح ولا فى استعمالها لانه مختص بالخالق فقط وسأضرب لك مثلا تدرك به هذه الحقيقة وذلك مثل نقاش للصورة فان لكل صورة مما ينقشه شهادة هى هيئتها وغيبا هو علم التصوير ومفتاحا يفتح به باب علم التصوير على هيئة الصورة لتنفعل الصورة كما هى ثابتة فى ذهن النقاش هو القلم والقلم بيد النقاش لا مدخل لتصرف غيره فيه فالله تعالى هو النقاش المصور والصور هى المكونات المختلفة الغيبية والشهادية وشهادة كل صورة منها خلقتها وتكوينها وقلم تصويرها الذى هو مفتاح يفتح به باب علم تكوينها على صورتها وكونها هو الملكوت فبقلم ملكوت كل شئ يكون كون كل شئ وقلم الملكوت بيد الله تعالى كما قال { { فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون } [يس: 83].
وكما ان الاشياء مختلفة فالملكوتيات مختلفات وملكوت كل شئ من الجماد والنبات والحيوان والانسان والملك مناسب لصورته ولهذا جمع المفاتح ووحد الغيب وقال { وعنده مفاتح الغيب } لان الغيب هو علم التكوين وهو واحد فى جميع الاشياء وفى الملكوت كثرة كما فى اقلام المصور فافهم جدا { و } بعلم التكوين { يعلم ما فى البر والبحر } لان به كوّن البر وهو عالم الشهادة والصورة والبحر وهو عالم الغيب والملكوت يدل على هذا المعنى قوله لا عالم الغيب والشهادة { و } بهذا العلم { ما تسقط من ورقة الا يعلمها } لانه مكونها ومثبتها ومسقطها { ولا حبة فى ظلمات الارض } اى حبة الروح فى ظلمات صفات ارض النفس وايضا ولا حبة فى ظلمات الارض اى ارض القلب وظلمات صفات البشرية الا وهو ركبها ويعلم كمالها ونقصانها { ولا رطب ولا يابس } الرطب هو الموجود فى الحال واليابس هو المعدوم فى الحال وسيكون موجودا. وايضا الرطب الروحانيات واليابس الجماديات وايضا الرطب المؤمن واليابس الكافر. وايضا الرطب العالم واليابس الجاهل. وايضا الرطب العارف واليابس الزاهد. وايضا الرطب اهل المحبة واليابس اهل السلوة. وايضا الرطب صاحب الشهود واليابس صاحب الوجود. وايضا الرطب الباقى بالله واليابس الباقى بنفسه { الا فى كتاب مبين } وهو ام الكتاب كذا فى التأويلات النجمية قدس سره مؤلفها العزيز الشريف.