التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ
٦١
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ وهو القاهر } مستعليا { فوق عباده } اى المتصرف فى امورهم لا غيره يفعل بهم ما يشاء ايجادا واعداما واحياء واماتة وتعذيبا واثابة الى غير ذلك ويجوز ان يكون فوق خبرا بعد خبر وليس معنى فوق معنى المكان لاستحالة اضافة الاماكن الى الله تعالى وانما معناه الغلبة والقدرة ونظيره فلان فوق فلان فى العلم اى اعلم منه: وفى المثنوى

دست شدبالاى دست اين تاكجا تابيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياست بى غوردو كران جمله درياها جوسيلى بيش آن
حيلها وجارها كر ازدهاست بيش الا الله آنها جمله لاست

{ ويرسل عليكم حفظة } عطف على الجملة الاسمية قبلها اى يرسل عليكم خاصة ايها المكلفون ملائكة تحفظ اعمالكم وهم الكرام الكاتبون والحكمة فيه ان المكلف اذا علم ان اعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الاشهاد كان ازجر عن المعاصى وان العبد اذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين عليه: قال الكاشفى

له اندريشى ازان روزيكه دروى جكرها خون ودلها ريش بينى
دهندت نامه اعمال وكويند بخوان تاكردهاى خويش بينى
مكن ورميكنى بارى دران كوش كه اندر نامه نيكى بيش بينى

ورد فى الخبر ان على كل واحد منا ملكين بالليل وملكين بالنهار يكتب احدهما الحسنات والآخر السيآت وصاحب اليمين امير على صاحب الشمال فاذا عمل العبد حسنة كتبت له بعشر امثالها واذا عمل سيئة فاراد صاحب الشمال ان يكتب قال له صاحب اليمين امسك فيمسك عنه ست ساعات او سبع ساعات فان هو استغفر الله لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة فان قلت هل تعرف هؤلاء الملائكة العزم الباطن كما يعرفون الفعل الظاهر. قلت نعم لان الحفظة تنتسخ من السفرة وهى من الخزنة التى وكلت باللوح وقد كتب فيه احوال العوالم واهاليها من السرائر والظواهر فبعد وقوفهم على ذلك يكتبون ثانيا من اول اليوم الى آخره ومن اول الليل الى آخره حسبما يصدر عن الانسان. وقيل اذا همّ العبد بحسنة فاح من فيه رائحة المسك فيعلمون بهذه العلامة فيكتبونها واذا هم بسيئة فاح منه ريح النتن. فان قلت والملائكة التى ترفع عمل العبد فى اليوم أهم الذين يأتون عدا ام غيرهم. قلت قال بعض العلماء الظاهر انهم هم وان ملكى الانسان لا يتغيران عليه ما دام حيا. وقال بعض المشايخ من جاء منهم لا يرجع ابدا مرة اخرى ويجيئ آخرون مكانهم الى نفاد العمر واختلف فى موضع جلوس الملكين وفى الخبر النبوى "نقوا افواهكم بالخلال فانها مجلس الملكين الكريمين الحافظين وان مدادهما الريق وقلمهما اللسان وليس عليهما شئ امر من بقايا الطعام بين الاسنان"
.ولا يبعد ان يوكل بالعبد ملائكة سوى هذين الملكين كل منهم يحفظه من اذى كما جاء فى الروايات { حتى اذا جاء احدكم الموت } حتى هى التى يبتدأ بها الكلام وهى مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها كأنه قيل ويرسل عليكم حفظة يحفظون اعمالكم مدة حياتكم حتى اذا انتهت مدة احدكم كائنا من كان وجاءه اسباب الموت ومباديه { توفته رسلنا } الآخرون المفوض اليهم ذلك وهم ملك الموت واعوانه وانتهى هناك حفظ الحفظة { وهم } اى الرسل { لا يفرطون } اى لا يقصرون فيما يؤمرون بالتوانى والتأخير طرفة عين. واعلم ان القابض لا رواح جميع الخلق هو الله تعالى حقيقة وان ملك الموت واعوانه وسائط ولذلك اضيف التوفى اليهم وقد يكون التوفى بدون وساطتهم كما نقل فى وفاة فاطمة الزهراء رضى الله عنها وغيرها واعوان ملك الموت اربعة عشر ملكا سبعة منها ملائكة الرحمة واليهم يسلم روح المؤمن بعد القبض وسبعة منهم ملائكة العذاب واليهم يسلم روح الكافر بعد الوفاة. قال مجاهد قد جعلت الارض لملك الموت كالطشت يتناول من حيث يشاء. يقول الفقير ليس على ملك الموت صعوبة فى قبض الارواح وان كثرت وكانت فى امكنة مختلفة وكيفية لا تعرف بهذا العقل الجزئى كما لا تعرف كيفية وسوسة الشيطان فى قلوب جميع اهل الدنيا ـ روى ـ فى الحبر ان رسول الله دخل على مريض يعوده فرأى ملك الموت عند رأسه فقال (يا ملك الموت ارفق به فإنه مؤمن) فقال ملك الموت يا محمد ابشر وطب نفسا وقر عينا فانى بكل مؤمن رفيق انى لاقبض روح المؤمن فيصرخ اهله فاعتزل فى جانب الدار فأقول ما لى من ذنب وانى مأمور وان لى لعودة فالحذر الحذر وما من اهل بيت مدر ولا وبر فى بر وبحر الا وانا اتصفحهم فى كل يوم خمس مرات حتى انى لا علم بصغيرهم وكبيرهم منهم بانفسهم والله لو ادرت ان اقبض روح بعوضة لما قدرت عليها حتى يأمرنى الله تعالى بقبضها. قال العلماء الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف وانما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما وتبذل حال وانتقال من دار الى دار ولما خلق الله الموت على صورة كبش املح قال له اذهب الى صفوف الملائكة على هيئتك هذه فلم يبق ملك الاغشى عليه الفى عام ثم افاقوا فقالوا يا ربنا ما هذا قال الموت قالوا لمن ذلك قال على كل نفس قالوا لم خلقت الدنيا قال ليسكنها بنوا آدم قالوا لم خلقت النساء قال ليكون النسل قالوا من يسلط عليه هذا هل يشتغل بالنساء والدنيا قال ان طول الامل ينسيهم الموت حتى يكون منهم اخذ الدنيا وشهوة النساء ولذلك قيل الموت من اعظم المصائب واعظم منه الغفلة عنه.