التفاسير

< >
عرض

لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
٦٧
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ لكل نبأ } اى خبر من اخبار القرآن { مستقر } اسم زمان اى وقت يقع فيه ويستقر زمن عذابكم { وسوف تعلمون } عند وقوعه فى الدنيا او فى الآخرة او فهيما معا. فعلى العاقل ان يتضرع الى الله تعالى فى دفع الشدائد ولا يصر على ذنبه فانه سبب للابتلاء وكل ظلمة انما تجيء من ظلمات النفس الامارة: كما قال فى المثنوى

هر جه برتو آيد از ظلمات غم آن زبى شرمى وكستاخيست هم

قال الصائب:

جرازغير شكايت كنم كه همجو حباب هميشه خانه خراب هواى خويشتم

والاشارة ان البر هو الاجسام والبحر هو الارواح فالارواح وان كانت نورانية بالنسبة الى الاجسام لكن بالنسبة الى الحق ونور الوهيته ظلمانية كما قال عليه السلام "ان الله خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره"
.فمعناه اذا خلقتكم فى ظلمة الخلقية فمن ينجيكم من ظلمات بر البشرية وظلمات بحر الروحانية اذ تدعونه تضرعا اى بالجسم وخفية اى بالروح { { لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون } [الأنعام: 63-64].
حين تجلى لكم نور من انوار صفاته فبعضكم يشرك ويقول انا الحق وبعضكم يقول سبحانى ما اعظم شأنى
{ { قل هو القادر على ان يبعث عليكم } [الأنعام: 65].
حين تقولون انا الحق وسبحانى
{ { عذابا من فوقكم } [الأنعام: 65].
بان يرخى حجابا بينه وبينكم يعذبكم به عزة وغيرة
{ { أو من تحت أرجلكم } [الأنعام: 65].
اى حجابا من اوصاف بشريتكم باستيلاء الهوى عليكم
{ { أو يلبسكم شيعا } [الأنعام: 65].
يجعل الخلق فيكم فرقا فرقة. يقولون هم الصديقون وفرقة يقولون هم الزنادقة
{ { ويذيق بعضكم بأس بعض } [الأنعام: 65].
بالقتل والصلب وقطع الاعراق كما فعل بابن منصور. قالوا وكان قد جرى من الحلاج قدس سره كلام فى مجلس جامد بن عباس وزير المقتدر بحضرة القاضى ابى عمر فافتى بحل دمه وكتب خطة بذلك وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء وقال له الحلاج ظهرى حمى ودمى حرام وما يحل لكم ان تتأولوا علىّ بما يبيحه وانما اعتقادى الاسلام ومذهبى السنة وتفضيل الائمة الاربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة رضى الله عنهم ولى كتب فى السنة موجودة فى الوراقين فالله الله فى دمى ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم الى ان استكملوا ما احتاجوا اليه وانفضوا من المجلس وحمل الحلاج الى السجن وكتب الوزير الى المقتدر يخبره بما جرى فى المجلس فعاد جواب المقتدر بان القضاة اذا كانوا قد افتوا بقتله فليسلم الى صاحب الشرطة وليتقدم بضربه الف سوط فان مات والا فيضرب الف سوط آخر ثم ليضرب عنقه فسلمه الوزير الى الشرطى وقال له ما رسم به المقتدر وقال ايضا ان لم يتلف بالضرب يقطع يده ثم رجله ثم يحز رأسه وتحرق جثته وان خدعك وقال لك انا اجرى لك الفرات ودجلة ذهبا وفضة فلا تقبل منه ذلك ولا ترفع العقوبة عنه فتسلمه الشرطى ليلا واصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذى الحجة من سنة تسع وثلاثمائة فاخرجه الى باب الطاق وهو يتبختر فى قيوده واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم وضربه الجلاد الف سوط ولم يتأوه ولما فرغ من ضربه قطع اطرافه الاربعة ثم حز رأسه ثم احرقت جثته ولما صار رمادا القاه فى دجلة ونصب الرأس ببغداد على الجسر وادعى بعض اصحابه انه لم يقتل ولكن القى شبهه على عدو من اعداء الله تعالى كما وقع فى حق عيسى عليه السلام والاولياء ورثة للانبياء. يقول الفقير لهذا التشبيه والتخييل نظائر فى حكايات المشايخ يجدها من تتبع ومرادى بيان جوازه لا اعتقاد انه كان كذلك. فان قلت من حق ولاية الحلاج ان لا يحترق ولا يكون رمادا. قلت ذلك غير لازم فان الاجساد مشتركة فى قبول العوارض والآفات ألا ترى الى حال ايوب ويحيى وغيرهما من الانبياء عليهم السلام وقد ذكر اهل التفسير فى اصحاب الرس انهم قتلوا الانبياء المبعوثين اليهم واكلوا لحومهم تمردا وعنادا ورسوا بئرهم بعظامهم نعم قد يكون فى هذه النشأة امور خارجة عن العادة خارقة كاحوال بعض الانبياء والاولياء الذين قتلوا مثلا ثم احياهم الله تعالى واما فى القبر فقد ثبت ان الارض لا تأكل اجساد الانبياء ومن يليهم.