التفاسير

< >
عرض

وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
٩١
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما قدروا الله حق قدره } اصل القدر السبر والحرز يقال قدر الشئ يقدره بالضم قدرا اذا سبره وحزره ليعلم مقداره ثم استعمل فى معرفة الشئ مقداره واحواله واوصافه فقيل لمن عرف شيأ هو يقدر قدره ولمن لم يعرفه بصفاته انه لا يقدر قدره ونصب حق قدره على المصدرية وهو فى الاصل صفة للمصدر اى قدره الحق وضميره يرجع الى الله تعالى واما ضمير الجمع فالى اليهود لما روى ان مالك بن الصيف من احبار اليهود ورؤسائهم خرج مع نفر الى مكة معاندين ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء وكان رجلا سمينا فاتى رسول الله بمكة فقال له عليه السلام انشدك بالذى انزل التوراة على موسى هل تجد فيها ان الله تعالى يبغض الحبر السمين قال نعم قال فانت الحبر السمين وقد سمنت من مأكلتك التى تطعمك اليهود ولست تصوم اى تمسك فضحك القوم فخجل مالك بن الصيف فقال غضبا ما انزل الله على بشر من شئ فلما رجع مالك الى قومه قالوا له ويلك ما هذا الذى بلغنا عنك أليس ان الله انزل التوراة على موسى فلم قلت ما قلت قال اغضبنى محمد فقلت ذلك قالوا له وانت اذا غضبت تقول على الله غير الحق وتترك دينك فاخذوا الرياسة والحبرية منه وجعلوهما الى كعب بن الاشرف فنزلت هذه الآية والمعنى ما عرفوه تعالى حق معرفته فى اللطف بعباده والرحمة عليهم ولم يراعوا حقوقه تعالى فى ذلك بل اخلوا بها اخلالا فعبر عن المعرفة بالقدر لكونه سببا لها وطريقا اليها { إذ قالوا } منكرين لبعثة الرسل وانزال الكتب كافرين بنعمه الجليلة فيهما { ما أنزل الله على بشر من شئ } اى كتاب ولا وحى مبالغة فى انكار انزال القرآن اذ القائلون من اهل الكتاب كما مر آنفا { قل } لهم على طريق التبكيت والقام الحجر { من انزل الكتاب الذى جاء به موسى } يعنى التوراة حال كون ذلك الكتاب { نورا } بينا بنفسه ومبينا لغيره. بالفارسى [روشناى دهنده] { وهدى } بيانا { للناس } وحال كونه { تجعلونه قراطيس } اى تضعونه فى قراطيس مقطعة وورقات مفرقة بحذف الجار بناء على تشبيه القراطيس بالظرف المبهم وهى جمع قرطاس بمعنى الصحيفة { تبدونها } صفة قراطيس اى تظهرون ما تحبون ابداءه منها { وتخفون كثيرا } مما فيها كنعوت النبى عليه السلام وآية الرجم وسائر ما كتموه من احكام التوراة { وعلمتم } ايها اليهود على لسان محمد { ما لم تعلموا انتم ولا آباؤكم } وهو ما اخذوه من الكتاب من المعلوم والشرائع. فقوله علمتم حال من فاعل تجعلونه باضمار قد مفيد لتأكيد التوبيخ فان ما فعلوه بالكتاب من التفريق والتقطيع للابداء والاخفاء شناعة عظيمة فى نفسها ومع ملاحظة كونه مأخذا لعلومهم ومعارفهم اشنع واعظم { قل الله } اى انزله الله امره عليه السلام بان يجيب عنهم اشعارا بان الجواب متعين لا يمكن غيره تنبيها على انهم بهتوا وافحموا ولم يقدروا على التكلم اصلا { ثم ذرهم } اى دعهم واتركهم { فى خوضهم } اى فى باطلهم الذى يخوضون فيه اى يشرعون فلا عليك بعد الا التبليغ والزام الحجة { يلعبون } حال من الضمير الاول والظرف صلة ذرهم او يلعبون ويقال لكل من عمل ما لا ينفعه انما انت لاعب.