التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣١
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاذا جاءتهم الحسنة } اى السعة والخصب وغيرهما من الخيرات { قالوا لنا هذه } اى لاجلنا واستحقاقنا لها ولم يروا ذلك فضلا من الله { وان تصبهم سيئة } اى جدب وبلاء { يطيروا بموسى ومن معه } اى يتشاءموا بموسى واصحابه ويقولوا ما اصابتنا الا بشؤمهم واصله يتطيروا ادغمت التاء فى الطاء لقرب مخرجهما واشتقاق التطير من الطير كالغراب وشبهه سمى الشؤم ضد اليمن طيرا وطائرا تسمية للمدلول باسم ما يدل عليه فانهم يجعلون الطير والطائر امارة ودليلا على شؤم الامر وبناء التفعيل فيه للتجنب اى لبعد الفاعل عن اصلح كتحوب اى تجنب وتباعد من الحوب وهو الاثم وسيجيء تفصيل الطيرة.
قال سعيد بن جبير كان ملك فرعون اربعمائة سنة فعاش ثلاثمائة سنة لا يرى مكروها ولوارى فى تلك المدة جوع يوم او حمى يوم او وجع ساعة لما الدعى الربوبية ولما قالوا سبب ما جاءنا من الخير والحسنة هو استحقاق انفسنا اياه وسبب ما اصابنا من السيئة والشر هو شأمة موسى ومن معه كذبهم الله تعالى فى كل واحد من الحكمين بقوله { ألا } اعلموا { انما طائرهم عند الله } اى سبب ما اصابهم من الخير والشر انما هو عند الله تعالى وصفة قائمة به وهى قضاؤه وتقديره ومشيئته وهو الذى أيهما شاء اصابهم به وليس بيمن احد ولا بشؤمه عبر عما عند الله تعالى بالطائر تشبيها له بالطائر الذى يستدل به على الخير والشر او سببه شؤمهم عند الله تعالى وهو اعمالهم السيئة المكتوبة عنده فانها التى ساقت اليهم ما يسوءهم لا ما عداها فالطائر عبارة عن الشؤم على طريق التسمية الملول باسم الدليل بناءً على انهم يستدلون بالطير على الشؤم { ولكن اكثرهم لا يعلمون } ان ما يصيبهم من الله تعالى او من شؤم اعمالهم فيقولون ما يقولون مما حكى عنهم واسناد عدم العلم الى اكثرهم للاشعار بان بعضهم يعلمون ذلك ولكن لا يعلمون بمقتضاه عنادا واستكبارا.
واعلم ان الطير بمعنى التشاؤم والاسم منه الطيرة على وزن العنبة وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديئ.
والاصل فى هاذ ان العرب كانوا يتفاءلون بالطير فان خرج احدهم الى مقصده واتى الطير من ناحية يمينه يتمين به ويتبرك ويسميه سانحا وان اتى من ناحية شماله يتشاءم به ويسميه بارحا فيرجع الى بيته ثم كثر قولهم فى الطير حتى استعملوه فى كل ما تشاءموا به وابطل النبى عليه السلام الطيرة بقوله
"الطير شرك قاله ثلاثا" وانما قال شرك لاعتقادهم ان الطيرة تجلب لهم نفعا او تدفع عنهم ضررا اذا عملوا بموجبها فكأنهم اشركوها مع الله تعالى.
قال عبد الله من خرج من بيته ثم رجع لم يرجعه الا الطيرة رجع مشركا او عاصيا.
وذكر فى المحيط اذا صاحت الحمامة فقال رجل يموت المريض كفر القائل عند بعض المشايخ. واذا خرج الرجل الى السفر فصاح العقعق فرجع من سفره فقد كفر عند بعض المشايخ.
قال عكرمة كنا عند ابن عمر وعنده ابن عباس رضى الله عنهما فمر غراب يصيح فقال رجل من القوم خير خير فقال لا خير ولا شر وانما اختص الغراب غالبا بالتشاؤم به اخذا من الاغتراب بحيث قالوا غراب البين لانه بان عن نوح عليه السلام لما وجهه لينظر الى الماء فذهب ولم يرجع ولذا تشاءموا به واستخرجوا من اسمه الغربة.
قال ابن مسعود لا تضر الطيرة الا من تطير ومعناه ان من تطير تطيرا منهيا عنه او يراه ما يتطير به حتى يمنعه مما يريده من حاجته فانه قد يصيبه ما يكره فاما من توكل على الله ووثق به بحيث علق قلبه بالله خوفا ورجاء وقطعه عن الالتفات الىالاسباب المخوفة وقال ما امر به من الكلمات ومضى فانه لا يضره فالمراد بالكلمات ما فى قوله عليه السلام
"ليس عبد الا سيدخل قلبه الطيرة فاذا احس بذلك فليقل اللهم لا طير الا طيرك ولا خير الا خيرك ولا اله غيرك ولا حول ولا قوة الا بالله ما شاء الله كان لا يأتى بالحسنات الا الله ولا يذهب بالسيآت الا الله واشهد ان الله على كل شيء قدير"
. ثم يمضى الى حاجته اى كل ما اصاب الانسان من الخير والشر واليمين والشؤم ليس الا بقضائك وتقديرك وحكمك ومشيئتك وفى الحديث "الشؤم فى المرأة والفرس والدار" . فشؤمى المرأة سوء خلقها أو غلاء مهرها. وقل ان لا تلد. وشؤم الفرس عدم انقياده او انه لا يغزى عليه. وشؤم الدار ضيقها او سوء جارها وهذا الحكم على وجه الغلبة لا القطع خص الثلاث بالذكر لان فيها يصل الضرر الكثير الى صاحبها او لانها اقرب الى الآفة فيما يبتلى به الانسان فمن تشاءم بالمذكورات فليفارقها واعترض عليه بحديث "لا طيرة"
. اجاب ابن قتيبة بان هذا مخصوص منه اى لا طيرة الا فى هذه الثلاث.
وسمع فيلسوف صوت مغن بارد فقال يزعم اهل الكهانة ان صوت البوم يدل على موت الانسان فان كان ما ذكروه حقا فصوت هذا يدل على موت البومة

زيبقم در كوش كن تانشنوم ياردم بكشاى تا بيرون روم

وتساقطت النجوم فى ايام بعض الامراء فخاف من ذلك واحضر المنجمين والعلماء فما اجابوا بشيء فقال جميل الشاعر

هذى النجوم تساقطت لرجوم اعداء الامير

فتفاءل به وامر له بصلة حسنة ولا بأس بان يتفاءل بالفأل الحسن وكان النبى عليه السلام يجب الفأل ويكره الطيرة والفأل الحسن هى الكلمة الصالحة يسمعها من اخيه نحو ان يسمع احد وهو طالب امر يا واجد يا نجيح او يكون فى سفر فيسمع باراشد يعنى يا واجد الطريق المستقيم او مريضا فيسمع يا سالم فالتفاؤل بالامور المشروعة مشروع والطيرة منهى عنها.
والفرق بين الفأل والطيرة مع ان كل واحد منهما استدلال بالامارة على مآل الامر وعاقبته ان الارواح الانسانية اقوى واصفى من الارواح البهيمية والطيرية فالكلمة الحسنة التى تجرى على لسان الانسان يمكن الاستدلال بها على شيء من الاحوال.
ويروى ان النبى عليه السلام حول رداءه فى الاستسقاء وذكر فى الهداية انه كان تفاؤلا يعنى قلب علينا الحال كما قلبنا رداءنا.
وروى
"عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال قلت يا رسول الله انى اسمع منك حديثا كثيرا انساه فقال ابسط رداءك فبسطته ففرق بيديه ثم قال ضمه فضممته فما نسيت شيئاً بعده" وهذا البسط والفرق والضم ليس الا تفاؤلا والا فالعلم ليس مما يسقط على الرداء ويمكن فيه الفرق والضم ولكن التفاؤل يحصل به يعنى كما بسطت ردائى توقيا لما يسقط فيه كذلك اصغيت سمعى لما يقع فيه من الكلام وكما اعطيت شخصا كثيرا من الرزق يفرق بين اليدين فكذا اعطيته شيأ كثيرا من العلم وكما يؤمن بالضم من سقوط ما فى الرداء كذلك يؤمن من خروج ما فى السمع او نسيان ما فى الخاطر فبعض الاوضاع يدل على بعض الاحوال كما ان بعض الاسماء يدل على بعض الامور كما حكى ان عمر رضى الله عنه قال لرجل ما اسمك قال جمرة قال ابن من قال ابن شهاب قال من ابن قال من الخرقة قال اين تسكن فى الحرة وهى ارض ذات حجارة سود وكأنها احرقت فقال عمر ادرك اهلك فقد احترقوا فرجع فوجدهم قد احترقوا واراد عمر رضى الله عنه الاستعانة برجل فسأله عن اسمه فقال ظالم بن سراق فقال تظلم انت ويسرق ابوك ولم يستعن ودل هذا على تبديل الاسماء القبيحة بالاسماء الحسنة فان فى الاسماء الحسنة التفاؤل ونظير ذلك ما يفهم من قوله عليه السلام "لا تمارضوا فتمرضوا"
. يعنى ان من اظهر المرض وقال انا مريض فهذا القول والفعل منه يثمر المرض ويؤاخذ به

كفت بيغمبركه رنجورى بلاغ رنج آرد تابميرد جون جراغ

والله الهادى الى الحسنات وهو دافع السيآت.